ويمكن توجيهه ـ بناء (٢٥٤٨) على ما عرفت من جواز إبقاء القدر المشترك في بعض الموارد ولو علم بانتفاء الفرد المشخّص له سابقا ـ : بأنّ المستصحب هو مطلق المطلوبيّة المتحقّقة سابقا لهذا الجزء ولو في ضمن مطلوبيّة الكلّ ، إلّا أنّ العرف لا يرونها مغايرة في الخارج لمطلوبيّة الجزء في نفسه.
ويمكن توجيهه بوجه آخر ـ يستصحب معه الوجوب النفسيّ ـ بأن يقال : إنّ معروض الوجوب سابقا والمشار إليه بقولنا : " هذا الفعل كان واجبا" هو الباقي ، إلّا أنّه يشكّ في مدخليّة الجزء المفقود في اتصافه بالوجوب النفسيّ مطلقا أو في اختصاص المدخليّة بحال الاختيار ، فيكون محلّ الوجوب النفسيّ هو الباقي ، ووجود ذلك الجزء المفقود وعدمه عند العرف في حكم الحالات المتبادلة لذلك الواجب المشكوك في مدخليّتها. وهذا نظير استصحاب الكرّية في ماء نقص منه مقدار فشكّ في بقائه على الكرّية ، فيقال : " هذا الماء كان كرّا ، والأصل بقاء كريّته" مع أنّ هذا الشخص الموجود الباقي لم يعلم بكريّته. وكذا استصحاب القلّة في ماء زيد عليه مقدار.
وهنا توجيه ثالث ، وهو استصحاب الوجوب النفسيّ المردّد بين تعلّقه سابقا بالمركّب على أن يكون المفقود جزءا له مطلقا فيسقط الوجوب بتعذّره ، وبين تعلّقه بالمركّب على أن يكون الجزء جزءا اختياريّا يبقى التكليف بعد تعذّره ، والأصل بقاؤه ، فيثبت به تعلّقه بالمركب على الوجه الثاني. وهذا نظير إجراء استصحاب وجود الكرّ في هذا الإناء لإثبات كريّة الباقي فيه.
______________________________________________________
٢٥٤٨. توضيح الفرق بين التوجيهات : أنّ المعتبر في جريان الاستصحاب اتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها ، ومبنى الإشكال في المقام على تغاير القضيّتين في المحمول ، حيث كان المحمول في الاولى هو الوجوب الغيري التبعي ، وفي الثانية هو الوجوب النفسي. ولا بدّ في تصحيح دعوى اتّحادهما من ارتكاب المسامحة ، إمّا في المحمول كما في التوجيه الأوّل ، أو في الموضوع كما في الثاني ، أو يقال : إنّ المستصحب هو الحكم المتعلّق بالموضوع المجمل كما في الثالث.