.................................................................................................
______________________________________________________
العقلاء لا يقدمون على اعتبار أمارة من دون ملاحظة رجحان فيها ، لأنّ نسبة الوجود والعدم مع عدم رجحان أحدهما متساوية عند العقل ، فلا بدّ في حكمه بالأخذ بأحدهما من مرجّح لا محالة ، فلا بدّ في حكمه بالأخذ بالحالة السابقة من رجحان البقاء عنده ، إمّا من جهة غلبة البقاء ، أو من جهة كون العلّة الموجدة مبقية ، فيحصل الظنّ بالبقاء ما لم توجد علّة الارتفاع.
فإن قلت : إن صحّ ما ذكرت من عدم حكم العقل بشيء إلّا بعد ملاحظة رجحان فيه ، وعدم أخذه بشيء تعبّدا ، فكيف يحكم بأصالة الحقيقة من باب التعبّد العقلائي ، كما هو أقوى الوجهين؟
قلت : إنّا نمنع كون بناء العرف والعقلاء على اعتبار ظواهر الألفاظ من باب التعبّد المحض ، من دون ملاحظة رجحان في الأخذ بها ، وذلك لأنّ العلم بمرادات المتكلّمين لمّا كان منسدّا غالبا ، وكانت ظواهر الألفاظ ـ وإن كان ظهورها ناشئا من القرائن الخارجة ـ مرادة لهم في الغالب ، ولم يكن هنا طريق علمي يتوصّل به إلى مراداتهم ، فلم يجدوا بدّا من الأخذ بظواهرها ، فكان هذا هو السرّ في أخذهم بها من أوّل الأمر ، وإن آل أمرهم إلى التعبّد بها مع قطع النظر عن إفادتها للظنّ بالمراد شخصا أو نوعا ، لا أنّ أخذهم بها خال من ملاحظة الرجحان من رأس.
ثمّ إنّ ظاهر المشهور اعتباره من باب الظنّ النوعي دون الشخصي ، كما تشهد به كلماتهم في الفروع والاصول.
أمّا الأوّل ، فإنّا لم نقف إلى الآن من رفع اليد عن مقتضى الاستصحاب بمخالفته للشهرة مثلا ممّن لا يقول باعتبارها ، فلو كان اعتباره من باب الظنّ الشخصي فلا مناص من رفع اليد عن مقتضاه في مقابلها ، لانتفاء مناط اعتباره حينئذ. هذا في الأحكام. وأمّا الموضوعات فناهيك في ذلك بملاحظة رسائلهم العمليّة ، حيث يفتون فيها بأنّ من تيقّن بالحدث ثمّ شكّ في بقائه يبني على البقاء ، من دون تفصيل بين الظنّ بخلافه وعدمه ، وهكذا في غيره من موارد الاستصحاب ،