.................................................................................................
______________________________________________________
فإن قلت : إنّ الوجه في عدم اعتبار العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة ليس منحصرا في ذلك ، بل له وجه آخر أيضا ، وهو الإجماع عليه ، فلم لا تقول بعدم اعتباره هنا أيضا وإن كانت الشبهة حكميّة؟
قلت : إنّ الإجماع هناك إنّما هو فيما كانت الشبهة موضوعيّة ، والفرض هنا كونها حكميّة ، فلا إجماع ، كيف لا وقد عرفت الإجماع على وجوب الفحص هنا ، وهو دليل على اعتبار العلم الإجمالي فيه.
وأمّا كون مقتضى الأصل عدم اعتباره قبل الفحص ، ففيه : أنّ وجوب الرجوع إلى مقتضى الكتاب والسنّة وغيرهما من الأدلّة إنّما هو لاستفادة الأحكام الكلّية منها ، ولا ريب أنّ موضوعاتها الخارجة لا تتعيّن بها ، بل تعيينها بالوجدان أو الاصول والأمارات ، وبعد تشخيص الموضوعات الخارجة بها يتنجّز التكليف بالأحكام المتعلّقة بها. فإذا شكّ في بلوغ المال حدّ النصاب أو الاستطاعة ، وأثبتنا عدم بلوغه إليهما بالاستصحاب ، لا يعقل تعلّق الحكم بمثل هذا الموضوع.
وبالجملة ، إنّ الفحص عن الأدلّة إنّما هو لاستعلام الأحكام الكلّية المستفادة منها ، والعمل بالاستصحاب في متعلّقات هذه الأحكام وموضوعاتها الخارجة إنّما هو لتعيين هذه الموضوعات ، فالفحص عن الأدلّة لا دخل له في إجراء الاستصحاب في موضوعات الأحكام المستفادة منها.
فما يظهر من صاحب الرياض من إيجاب الفحص على من شكّ في بلوغ ماله حدّ النصاب ، محتجّا بوضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة ، ولا يحصل العلم بالخروج من عهدة التكليف الواقعي إلّا بالفحص عن بلوغه حدّ النصاب ، يظهر ضعفه ممّا قدّمناه ، لأنّا وإن سلّمنا أنّ وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة يقتضي وجوب الاحتياط في الموضوعات المشتبهة ، إلّا أنّ هذا إنّما هو فيما لم تكن أمارة على تعيين الموضوع ، والاستصحاب كالبيّنة أمارة على عدم بلوغ المال حدّ النصاب.