وتوضيح ذلك : أنّك قد عرفت أنّ الاستصحاب عبارة عن إبقاء ما شكّ في بقائه ، وهذا لا يتحقّق إلّا مع الشكّ في بقاء القضيّة المحقّقة في السابق بعينها في الزمان اللاحق. والشكّ على هذا الوجه لا يتحقّق إلّا بامور : الأوّل بقاء الموضوع في الزمان اللاحق ، والمراد به معروض المستصحب (٢٥٧١).
______________________________________________________
٢٥٧١. توضيحه : أنّ الفرق بين المستصحب وموضوعه أنّ المستصحب هو الأمر العارض الذي يقع موردا للاستصحاب ، وهو المحمول في القضيّة المتيقّنة السابقة. والموضوع هو المعروض لهذا المحمول القائم به مع جميع القيود المعتبرة في قيامه به ، من زمان أو مكان أو وصف ، أو نحو ذلك ممّا يكون له مدخل في عروض المحمول لموضوعه وقيامه به. ولا ريب أنّ المحمول قد يقوم بموضوعه باعتبار وجوده الخارجي ، مثل قولنا : زيد قائم ، لأنّ قيام القيام بزيد إنّما هو بوصف وجوده الخارجي وقد يقوم به باعتبار تقرّره الذاتي الملحوظ على وجه قابل لأن يحمل عليه بالوجود تارة وبالعدم اخرى ، مثل قولنا : زيد موجود ، لأنّ قيام الوجود به إنّما هو بهذا الاعتبار ، لا باعتبار الوجود الخارجي وإلّا لزم تكرار المحمول ، لأنّه حينئذ يكون في قوّة أن يقال : زيد الموجود موجود ، وهو ليس بمقصود قطعا ، بل غير صحيح ، بخلاف المثال الأوّل ، لما عرفت من كون عروض القيام لزيد باعتبار وجوده الخارجي ، فكأنّه قيل : زيد الموجود قائم.
وإذا عرفت هذا فاعلم : أنّ المراد ببقاء الموضوع في زمان الشكّ المشروط في جريان الاستصحاب ليس بقائه بوجوده الثانوي ، إذ مع العلم بوجود زيد كذلك في الزمان اللاحق لا يفرض الشكّ في وجوده حتّى يصحّ استصحابه ، بل المراد وجوده في الزّمان اللّاحق على النّحو الذي كان معروضا ومحمولا عليه في القضيّة المتيقّنة السابقة. فإن كان معروضا بالوجود الخارجي ، فلا بدّ من بقائه كذلك ، بأن كان وجوده الخارجي في الزمان اللّاحق معلوما وشكّ في اتّصافه بمحموله