كما أنّ العلماء أيضا لم يفرّقوا (٢٥٨٨) في الاستحالة بين النجس والمتنجّس ، كما لا يخفى على المتتبّع (٥) ، بل جعل بعضهم (٦) (٢٥٨٩) الاستحالة مطهّرة للمتنجّس بالأولويّة الجليّة (*) حتّى تمسّك بها في المقام من لا يقول بحجّية مطلق الظنّ.
وممّا ذكرنا يظهر وجه النظر فيما ذكره جماعة (٧) تبعا للفاضل الهندي قدسسره : من أنّ الحكم في المتنجّسات ليس دائرا مدار الاسم حتّى يطهر بالاستحالة ، بل لأنّه جسم لاقى نجسا ، وهذا المعنى لم يزل.
فالتحقيق : أنّ مراتب تغيّر الصورة في الأجسام مختلفة ، بل الأحكام أيضا مختلفة (٢٥٩٠) ، ففي بعض مراتب التغيّر يحكم العرف بجريان دليل العنوان من غير حاجة إلى الاستصحاب ، وفي بعض آخر لا يحكمون بذلك ويثبتون الحكم بالاستصحاب ، وفي ثالث لا يجرون الاستصحاب ايضا ، من غير فرق في حكم النجاسة بين النجس والمتنجّس. فمن الأوّل : ما لو حكم على الرطب أو العنب بالحلّيّة أو الطهارة أو النجاسة ، فإنّ الظاهر جريان عموم أدلّة هذه الأحكام للتمر والزبيب ، فكأنّهم يفهمون من الرطب والعنب الأعمّ ممّا جفّ منهما فصار تمرا أو زبيبا ، مع أنّ الظاهر تغاير الاسمين ؛ ولهذا لو حلف على ترك أحدهما لم يحنث بأكل الآخر. والظاهر أنّهم لا يحتاجون في إجراء الأحكام المذكورة إلى الاستصحاب.
______________________________________________________
٢٥٨٨. إلى زمان الفاضل الهندي ، بل هو مقتضى إطلاق صريح الإجماع المحكيّ عن جامع المقاصد وظاهر التذكرة.
٢٥٨٩. هذا محكيّ عن صاحب المعالم ، وهو من أهل الظنون الخاصّة ، ولا ينبغي لمثله أن يستند إلى مثل هذه الأولويّة الاعتباريّة.
٢٥٩٠. مثل أنّ حكم الرطب أو العنب من الطهارة والحليّة مثلا يسري إلى التمر والزبيب بحكم العرف ، كما أشار إليه المصنّف رحمهالله ، بخلاف ما لو حلف أن لا يأكل أحد الأوّلين ، فلا يحنث بأكل أحد الأخيرين ، فتدبّر.
__________________
(*) في بعض النسخ بدل : «الجليّة» ، القطعيّة.