اليد عنها في مسألة الشكّ بين الثلاث والأربع ونحوها بما دلّ على وجوب البناء على الأكثر ، ولا تخصّصا بمعنى خروج المورد بمجرّد وجود الدليل عن مورد الاستصحاب ؛ لأنّ هذا مختصّ بالدليل العلميّ المزيل وجوده للشكّ المأخوذ في مجرى الاستصحاب ، ومعنى الحكومة على ما سيجيء في باب التعادل والتراجيح : أن يحكم الشارع في ضمن دليل بوجوب رفع اليد عمّا يقتضيه الدليل الآخر لو لا هذا الدليل الحاكم ، أو بوجوب العمل في مورد بحكم لا يقتضيه دليله لو لا الدليل الحاكم (*) ، وسيجيء توضيحه إن شاء الله تعالى. ففي ما نحن فيه ، إذا قال الشارع : " اعمل بالبيّنة في نجاسة ثوبك" ـ والمفروض أنّ الشكّ موجود مع قيام البيّنة على نجاسة الثوب ، فإنّ الشارع حكم في دليل وجوب العمل بالبيّنة برفع اليد عن آثار الاحتمال المخالف للبيّنة التي منها استصحاب الطهارة ، فكانّه قال : لا تحكم على هذا الشكّ بحكمه المقرّر في قاعدة الاستصحاب وأفرضه كالمعدوم.
وربّما يجعل العمل بالأدلّة في مقابل الاستصحاب من باب التخصّص (**) ، بناء على أنّ المراد من" الشكّ" عدم الدليل والطريق ، والتحيّر في العمل ، ومع قيام الدليل الاجتهاديّ لا حيرة. وإن شئت قلت : إنّ المفروض دليلا قطعيّ الاعتبار ؛ فنقض الحالة السابقة به نقض باليقين.
وفيه : أنّه لا يرتفع التحيّر ولا يصير الدليل الاجتهاديّ قطعيّ الاعتبار في خصوص مورد الاستصحاب إلّا بعد إثبات كون مؤدّاه حاكما على مؤدّى الاستصحاب ، وإلّا أمكن أن يقال : إنّ مؤدّى الاستصحاب وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين بارتفاعها ، سواء كان هناك الأمارة الفلانيّة أم لا ، ومؤدّى دليل تلك الأمارة وجوب العمل بمؤدّاه ، خالف الحالة السابقة أم لا. ولا يندفع مغالطة هذا الكلام إلّا بما ذكرنا من طريق الحكومة ، كما لا يخفى.
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : «وحاصله : تنزيل شيء خارج عن موضوع دليل منزلة ذلك الموضوع في ترتيب أحكامه عليه ، أو داخل في موضوعه منزلة الخارج منه في عدم ترتيب أحكام عليه. وقد اجتمع كلا الاعتبارين في حكومة الأدلّة الغير العلميّة على الاستصحاب مثلا».
(**) في بعض النسخ : بدل «التخصّص» ، التخصيص.