وأمّا على ما جزمنا به من أنّ مراده عدم ما يدلّ علما أو ظنّا على ارتفاع الحالة السابقة ، فلا وجه لورود ذلك ؛ لأنّ الاستصحاب إن اخذ من باب التعبّد ، فقد عرفت حكومة أدلّة جميع الأمارات الاجتهاديّة على دليله ، وإن اخذ من باب الظنّ ، فالظاهر أنّه لا تأمّل (٢٦٠٢) لأحد في أنّ المأخوذ في إفادته للظنّ عدم وجود أمارة في مورده على خلافه ؛ ولذا ذكر العضديّ في دليله : أنّ ما كان سابقا ولم يظنّ عدمه فهو مظنون البقاء (*). ولما ذكرنا لم نر أحدا من العلماء قدّم الاستصحاب على أمارة مخالفة له مع اعترافه بحجّيتها لو لا الاستصحاب ، لا في الأحكام ولا في الموضوعات.
وأمّا ما استشهد به قدسسره من عمل بعض الأصحاب بالاستصحاب في مال المفقود وطرح ما دلّ على وجوب الفحص أربع سنين والحكم بموته بعده ، فلا دخل له بما نحن فيه (٢٦٠٣) ؛ لأنّ تلك الأخبار ليست أدلّة في مقابل استصحاب
______________________________________________________
٢٦٠٢. إن أراد بالظنّ الذي هو مناط اعتبار الاستصحاب الظنّ النوعي كما هو الظاهر ، فما ذكره هنا مناف لما ذكره في الأمر الثاني عشر من عدم منافاة الظنّ النوعي للظنّ بخلافه. وإن أراد به الشخصيّ منه فهو خلاف ظاهر العلماء كما اعترف به سابقا. وإن أراد به النوعي وبالأمارة الأمارة المعتبرة خاصّة ، ففيه : أنّ التفصيل في إفادة الاستصحاب للظنّ بين الأمارة المعتبرة وغيرها غير واضح المأخذ. اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ ما ذكره في الأمر الثاني عشر مبنيّ على التحقيق ، وما ذكره هنا مبنيّ على ظاهر المشهور من عدم عملهم بالاستصحاب في مقابل الأمارات المعتبرة بخلاف غيرها ، مع قولهم به من باب الظنّ.
٢٦٠٣. من اعتبار عدم قيام دليل على خلاف الحالة السابقة في جريان الاستصحاب ، وقد عرفت توضيحه قبل الحاشية السابقة ، فراجع.
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : ونظيره في الأمارات الاجتهادية (الغلبة) ، فإنّ إلحاق الشيء بالأعمّ الأغلب أنّما يكون غالبا إذا لم تكن أمارة في موردها على الخلاف ، لكنّها أيضا واردة على الاستصحاب ، كما يعرف بالوجدان عند المتتبّع في الشرعيّات والعرفيّات.