الاستصحاب ، بل هي حاكمة عليه. بيان ذلك : أنّ اليد ، إن قلنا بكونها من الأمارات المنصوبة دليلا على الملكيّة من حيث كون الغالب في مواردها كون صاحب اليد مالكا أو نائبا عنه ، وأنّ اليد المستقلّة الغير المالكيّة قليلة بالنسبة إليها ، وأنّ الشارع إنّما اعتبر هذه الغلبة تسهيلا على العباد ، فلا إشكال في تقديمها على الاستصحاب على ما عرفت من حكومة أدلّة الأمارات على أدلّة الاستصحاب.
وإن قلنا بأنّها غير كاشفة بنفسها عن الملكيّة أو أنّها كاشفة لكن اعتبار الشارع لها ليس من هذه الحيثيّة ، بل جعلها في محلّ الشكّ تعبّدا ، لتوقّف استقامة نظام معاملات العباد على اعتبارها ـ نظير أصالة الطهارة ـ كما يشير إليه قوله عليهالسلام في ذيل رواية حفص بن غياث الدالّة على الحكم بالملكيّة على ما في يد المسلمين : " ولو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق" (١٣) ، فالأظهر أيضا تقديمها على الاستصحاب ، إذ لو لا هذا لم يجز التمسّك بها في أكثر المقامات ، فيلزم المحذور المنصوص وهو اختلال السوق وبطلان الحقوق ، إذ الغالب العلم بكون ما في اليد مسبوقا بكونه ملكا للغير ، كما لا يخفى. وأمّا حكم المشهور (٢٦٠٦) بأنّه : " لو اعترف ذو اليد بكونه سابقا ملكا للمدّعي ، انتزع منه العين ، إلّا أن يقيم البيّنة على انتقالها إليه" فليس من تقديم الاستصحاب ، بل لأجل أنّ دعواه الملكيّة في الحال إذا انضمّت إلى إقراره بكونه قبل ذلك للمدّعي ، ترجع إلى دعوى انتقالها إليه ، فينقلب مدّعيا والمدّعي منكرا ، ولذا لو لم يكن في مقابله مدّع ، لم تقدح هذه الدعوى منه في الحكم بملكيّته ، أو كان في مقابله مدّع لكن أسند الملك السابق إلى غيره ، كما لو قال في جواب زيد المدّعي : اشتريته من عمرو. بل يظهر ممّا ورد في محاجّة عليّ عليهالسلام مع أبي بكر في أمر
______________________________________________________
أصالة البراءة عن وجوب الاجتناب ، كما يقتضيه الاستدلال بالأخبار الواردة فيها في مسألة البراءة ، لورود الاستصحاب عليها إن قلنا باعتبارها من باب العقل ، وحكومته عليها إن قلنا باعتباره من باب الأخبار ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى.
٢٦٠٦. دفع لتوهّم تقديم المشهور هنا الاستصحاب على اليد. وحاصل الدفع : أنّ التقديم هنا للإقرار لا الاستصحاب.