.................................................................................................
______________________________________________________
لا بدّ وأن يكون لانتفاء مقدّمة من مقدّماته من العقل والعلم والقدرة والالتفات ونحوها ، ولا ريب أنّ انتفاء ذي المقدّمة يستند إلى أوّل ما انتفت من المقدّمات ، لكون عدم كلّ مقدّمة علّة تامّة لعدم ذيها ، وإلّا لم تكن مقدّمة للوجود ، بخلافه في طرف الوجود ، لتوقّف حصوله على حصول جميع المقدّمات التي لها مدخل في حصوله. ولا ريب أنّ من مقدّمات صحّة التكليف ما هو عقليّ ثابت بالعقل كما عرفت ، ومنها ما هو شرعيّ لا يدركه العقل ، ولذا لا يقبّح العقل تكليف الغلام المراهق مع كمال شعوره وعقله ، مع عدم صحّة تكليفه شرعا ، ولا أقلّ من احتمال ذلك ، بمعنى تجويز العقل شرائط شرعيّة للتكليف لا يدركها هو.
وإذا حكم العقل بعدم صحّة التكليف في بعض الموارد ، لانتفاء بعض مقدّماته العقليّة ، وحكم الشرع أيضا على طبقه ، فكما يحتمل أن يكون حكم الشرع مستندا إلى انتفاء ما أدرك العقل انتفائه من المقدّمات ، حتّى لا يصح انسحاب عدم التكليف إلى حالة تحقّق هذه المقدّمة المفقودة ، كذا يحتمل أن يكون مستندا إلى انتفاء بعض المقدّمات الشرعيّة التي لا يدركها العقل ، بأن كان انتفاء هذه المقدّمة سابقا على انتفاء المقدّمة العقليّة التي أدرك العقل انتفائها ، لما عرفت من أنّ السابق من المقدّمات المفقودة هي العلّة التامّة لانتفاء التكليف. وحينئذ يصحّ استصحاب عدم التكليف مع تغيّر القضيّة العقليّة ، بخلافه في طرف الوجود ، لأنّ حكم العقل بشيء موقوف على إدراكه وجود جميع المقدّمات التي لها مدخل في الوجود. وإذا حكم الشرع على طبقه ، فإن كان حكم الشرع أيضا مستندا إلى ما كان حكم العقل مستندا إليه ، لم يصحّ الاستصحاب كما عرفته في الحاشية السابقة. وإن كان مستندا إلى غيره ، فإن كان كلّ ممّا استند إليه العقل والشرع علّة لوجود الحكم لزم اجتماع علّتين على معلول واحد. وإن كان أحدهما علّة دون الآخر ، لزم إمّا خطأ العقل أو الشرع ، وكلاهما خلاف المفروض ، فلا بدّ أن يكون مستند حكم الشرع هو مستند حكم العقل لا محالة.