وأمّا باعتبار الشكّ في البقاء ، فمن وجوه أيضا ، أحدها : من جهة أنّ الشكّ قد ينشأ من اشتباه الأمر الخارجي ـ مثل الشكّ في حدوث البول أو كون الحادث بولا أو وذيا ـ ويسمّى بالشبهة في الموضوع ، سواء كان المستصحب حكما شرعيّا جزئيّا كالطهارة في المثالين ، أم موضوعا كالرطوبة والكريّة ونقل اللفظ عن معناه الأصلي ، وشبه ذلك. وقد ينشأ من اشتباه الحكم الشرعي الصادر من الشارع ، كالشكّ في بقاء نجاسة المتغيّر بعد زوال تغيّره ، وطهارة المكلّف بعد حدوث المذي منه ونحو ذلك.
والظاهر دخول القسمين في محلّ النزاع (٢٠٨٠) ، كما يظهر من كلام المنكرين ؛ حيث ينكرون استصحاب حياة زيد بعد غيبته عن النظر ، والبلد المبنيّ على ساحل البحر ، ومن كلام المثبتين حيث يستدلّون بتوقّف نظام معاش الناس ومعادهم على الاستصحاب.
ويحكى عن الأخباريّين اختصاص الخلاف بالثاني ، وهو الذي صرّح به المحدّث البحراني ، ويظهر من كلام المحدّث الأسترآبادي حيث قال في فوائده :
اعلم أنّ للاستصحاب صورتين معتبرتين باتّفاق الامّة ، بل أقول اعتبارهما من ضروريّات الدين. إحداهما : أنّ الصحابة وغيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبيّنا صلىاللهعليهوآله إلى أن يجئ ناسخه. الثانية : أنّا نستصحب كلّ أمر من الامور الشرعيّة (٢٠٨١) ـ مثل : كون
______________________________________________________
«فإن كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه ، فليس هذا عملا بغير دليل ، وإن كان يعني أمرا وراء هذا فنحن مضربون عنه» انتهى. قال صاحب المعالم والفاضل الجواد بأنّ ما ذكره المحقّق أخيرا راجع إلى قول السيّد المرتضى المنكر للاستصحاب. وسيشير المصنّف رحمهالله إلى كلامهم عند التعرّض لبيان مختاره.
٢٠٨٠. بمعنى عدم اختصاصه بالقسم الثاني ، لأنّ المثالين المذكورين في كلام المنكرين من قبيل الشبهة في الموضوع. وكذا الاستدلال المذكور إنّما يتمّ فيها دون الشبهات الحكميّة.
٢٠٨١. يعني : استصحاب أمر شرعيّ أو ما يترتّب عليه أمر شرعيّ ، كاستصحاب الليل والنهار. ففي العبارة نوع مسامحة.