فمنها : ما عن المبادئ حيث قال : الاستصحاب حجّة ؛ لإجماع الفقهاء على أنّه متى حصل حكم ، ثمّ وقع الشكّ في أنّه طرأ ما يزيله أم لا؟ وجب الحكم ببقائه على ما كان اوّلا ، ولو لا القول بأنّ الاستصحاب حجّة ، لكان ترجيحا لأحد طرفي الممكن من غير مرجّح ، (١٩) انتهى. ومراده وإن كان الاستدلال به على حجّية مطلق الاستصحاب ، بناء على ما ادّعاه من أنّ الوجه في الإجماع على الاستصحاب مع الشكّ في طروّ المزيل ، هو اعتبار الحالة السابقة مطلقا ، لكنّه ممنوع ؛ لعدم الملازمة ، كما سيجيء.
ونظير هذا ما عن النهاية : من أنّ الفقهاء بأسرهم ـ على كثرة اختلافهم ـ اتّفقوا على أنّا متى تيقّنا حصول شىء وشككنا في حدوث المزيل له أخذنا بالمتيقّن ، وهو عين الاستصحاب ؛ لأنّهم رجّحوا بقاء الباقي على حدوث الحادث.
ومنها : تصريح صاحب المعالم والفاضل الجواد بأنّ ما ذكره المحقّق أخيرا في المعارج راجع إلى قول السيّد المرتضى المنكر للاستصحاب ؛ فإنّ هذه شهادة منهما على خروج ما ذكره المحقّق عن مورد النزاع وكونه موضع وفاق ، إلّا أنّ في صحّة هذه الشهادة نظرا ، لأنّ ما مثّل في المعارج من الشكّ في الرافعيّة من مثال النكاح هو بعينه ما أنكره الغزالي ومثّل له بالخارج من غير السبيلين ؛ فإنّ الطهارة كالنكاح في أنّ سببها مقتض لتحقّقه دائما إلى أن يثبت الرافع.
______________________________________________________
مدّعى المصنّف رحمهالله. ولا ريب في خروج الأوّل من محلّ النزاع باعتراف من المصنّف رحمهالله في غير المقام ، لكون مرجعه إلى العمل بأصالة عموم العامّ وإطلاق المطلق ما لم يثبت المخصص والمقيّد. وسنشير إلى تتمّة الكلام في ذلك عند شرح قول المحقّق رحمهالله. مضافا إلى ما أشار إليه المصنّف رحمهالله من منع الشهادة.
ثمّ إنّه مع تسليم ذلك كلّه إنّ دعوى ظهور كلمات الجماعة مع صراحة كلام صاحب غاية المبادي في دعوى الإجماع وكلام العلّامة في دعوى الاتّفاق غير مجدية في المقام ، لعدم صراحة كلمات المجمعين في كون ما أجمعوا عليه من وجوب الحكم بالبقاء من جهة الاستصحاب ، أعني : الاتّكال في إثبات الوجود الثاني على مجرّد الوجود الأوّل ، لاحتمال كونه من جهة قاعدة إحراز المقتضي والشكّ في المانع.