والثالث : أن ينسخ من الاستحباب إلى الاباحة ، مثل : نسخ استحباب الوصية للوالدين (١) بالإباحة (٢).
والضرب الثالث : المباح ؛ وقد اختلف العلماء هل هو مأمور به؟ والصحيح أنه مأذون فيه غير مأمور به (٣) ، ويجوز أن يدخله النسخ عن وجه واحد وهو النسخ إلى التحريم ، مثاله : أن الخمر مباحة ثم حرمت.
وأما نسخ الإباحة إلى الكراهة ؛ فلا يوجد ، لأنه لا تناقض. فأما انتقال المباح إلى كونه واجبا فليس بنسخ ، لأن إيجاب المباح إبقاء تكليف لا نسخ.
وأما القسم الثاني من الخطاب : وهو النهي فهو يقع على ضربين :
الأول : على سبيل التحريم ؛ فهذا قد ينسخ بالإباحة ، مثل تحريم الأكل على الصائم في الليل بعد النوم والجماع.
والثاني : على سبيل الكراهة ، لم يذكر له مثال.
فصل
فأما الأخبار فهي على ضربين :
الأول : ما كان لفظه لفظ الخبر ، ومعناه معنى الأمر كقوله تعالى : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة : ٧٩] فهذا لاحق بخطاب التكليف في جواز النسخ عليه.
والثاني : الخبر الخالص ، فلا يجوز عليه ، لأنه يؤدي إلى الكذب وذلك محال. وقد حكي جواز ذلك عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والسّدّي ، وليس بشيء يعوّل عليه. وقال أبو جعفر النحاس : وهذا القول عظيم جدا يؤول إلى الكفر لأن قائلا لو قال : قام فلان ثم قال : لم يقم ، فقال : نسخته لكان كاذبا.
وقال ابن عقيل (٤) : الأخبار لا يدخلها النسخ ، لأن نسخ الأخبار كذب ،
__________________
(١) في سورة البقرة ، الآية رقم (١٨٠).
(٢) في آيتي النساء : ١١ ، ١٢.
(٣) وهو قول الجمهور ؛ انظر «إحكام الأحكام» للآمدي (١ / ١٧٧) و «المستصفى» للغزالي (١ / ٧٥) و «التحصيل من المحصول» للأرموي (١ / ٣١٤ ـ ٣١٥) و «المحصول» للرازي (٢ / ٢١٠) و «نهاية الوصول في دراية الأصول» للأرموي الهندي (٢ / ٦٢٩) و «التحقيقات في شرح الورقات» (ص ١٠٨).
(٤) هو : أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن أحمد الطفري البغدادي الحنبلي. مولده ببغداد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة (٤٣١).
من العلماء الكبار المحققين ، برع في علم الأصول وشتى أنواع الفنون ، وزاحم أهل عصره ، وكان له مكانة عالية بين العلماء.