وإن كان جلب الماء من الوديان البعيدة التى تحيط بها المهالك والمعاطب اقتصر على السّراة من أصحاب الثروات الطائلة فقد انصرفت طائفة الفقراء والمستضعفين عن طلب كسرة الخبز ولم يعد لهم من مطلب سوى الماء.
فضلا على استحواذ المحتكرين من الأثرياء على الماء الذى يجلبه السقاءون ، وكانوا يبيعونه بباهظ الأثمان فأفعموا جعبة حرصهم وبخلهم.
وفى أواخر عام ٩٣٠ جرى قضاء الله بأن تنقطع كذلك مياه الأودية البعيدة ولذا بيعت القربة الصغيرة من الماء التى يمكن حملها بإصبع بدينار من ذهب ، ووقف الموحدون فى ساحة السعادة فى جبل الرحمة وقد نال منهم الظمأ حد أنهم كانوا على استعداد للتضحية بأرواحم فى سبيل الحصول على الماء.
ولما بلغ شح الماء ذلك الحد لزم الحجاج ـ الذين أحرقت أكبادهم من نار الظمأ ـ والسكون يغمرهم الاستغفار وما كان إلا أن انتظروا نزول رحمة الرحمن الرحيم ، وبدءوا يبسطون أكف الضراعة بدعاء الاستسقاء ، ووقع دعاء الحجاج موقع القبول والاستجابة لدى ربهم ، فانهمر المطر مدرارا كما لم ينهمر من قبل وبصورة لم يسمع عنها الشيوخ من قبل ، وجرى السيل تحت أرجلهم ، وأخمدوا نار ظمئهم ، وبعد أن ملأوا قربهم وسقوا حيواناتهم ودوابهم انخرطوا فى شديد البكاء.
وعندما نما إلى علم السلطان سليمان خان سلطان الزمان معاناة المؤمنين شح المياه واضطرابهم فى ساحة عرفات وتخرب مجارى المياه على النحو الذى أسلفناه أصدر أوامره بتطهير طرق عين عرفات وعين حنين وتسويتهما. وأسند هذه المهمة لمن يسمى مصلح الدين أفندى وهو من مجاورى بلدة الله ، ثم أخطرت إمارة مكة المكرمة من قبل الباب العالى وأحضرت علامات الإمارة إلى مصلح الدين أفندى ، وعهد إليه بالمهمة المذكورة بتفويض من السلطان عالى المقام.
وفى عام ٩٣١ بدأ مصلح الدين أفندى يعد العدة لتلك المهمة فطهر مجارى مكة وعمرها على خير وجه ، ثم أصلح البرك والأحواض فى عرفات مكة