المكرمة وروى بالأجر سكان الحرم من عين حنين واشترى مصلح الدين أفندى طائفة من العبيد السود (١) ، وركب سفينة من ميناء السويس وكانت قد أعدت ليمضى بها إلى الآستانة ليعرض على الباب العالى كيفية توظيف هذه الطائفة فى مهمة تطهير مجرى القنوات ، ومات ـ رحمة الله عليه ـ غرقا فى عباب بحر القلزم.
بينما كان مصلح الدين أفندى يقوم بإصلاح مجارى عينى حنين وعرفات عين مهندسا وكاتبا يرأسهما ناظر ، وذلك من أجل سرعة إصلاح أى جزء يلحق به الخراب من المجارى والقنوات ، وبعد ذلك بنى قبة حجرية فوق موضع تفرع المجرى ، ووضع ميزابا من خمسة وأربعين لوحا حتى إذا ما فنيت مياه أى لوح أو نقصت يعرف أن ثمة خراب قد لحق بمجرى تلك الناحية فيتم إصلاحه في الحال.
وبفضل الترتيب المذكور لم يتعرض أهل مكة لشح الماء لفترة وعلى الرغم من ذلك فإنه بعد وفاة مصلح الدين أفندى بما يقرب من ثلاثين عاما طغى سيل من جرائه تخربت أغلبية مواضع المجارى المائية ، ومن ثم بدأت مياه الينابيع فى مكة فى النقصان ، وبدأ سكانها الكرام يلقون التعب والمشقة بسبب شح الماء ، وعندما رفعت الإمارة الجليلة لمكة الأمر إلى الباب العالى وتلقت الإمارة المذكورة الرد وأخطرت بالمواضع الواجب إصلاحها وتعميرها ، وبعد الكشف والمعاينة استدعى شريف مكة أشرافها وأعيانها للتشاور ، وقرأ عليهم الأمر الوارد من الباب العالى.
وعلى أثر ذلك اجتمع قاضى مكة عبد الباقى بن على المغربى أفندى ومتصرف جدة خير الدين بك وطائفة مثلهم من أرباب الدراية والمعرفة. وعقدوا مجلسا للتشاور وتبادلوا الآراء والمشورة بشأن طرق المياه مكة المكرمة ، ومن بعد اتفقوا رأيا على أن عيون عرفات أبرك من باقى العيون ، ومجاريها معلومة. وإذا ما
__________________
(١) اشترى مصلح الدين أفندى لكل واحد من هؤلاء العبيد السود جارية زنجية وزوجه منها ، وعهد إلى ذريتهم بمهمة تطهير قنوات المياه ، وكل العبيد يعيشون على مرتبات خصصت لهم بالقانون ولم يبق منهم أحد الآن بعد أن انقطع نسلهم.