يغزو بلدة من البلدان كتب كتاباً بقدر الخنصر فتجيبه العربان وتلبّي دعوته من كلّ مكان ، و يتحمّلون على أنفسهم كلّ ما يحتاجون إليه من مأكل ومشرب وملبس ومركب لا يكلّفونه بشيء ، وإذا نهبوا شيئاً من الناس يدفعون له الخمس و يأخذون الأربعة الأخماس و يسيرون معه أينما يسير ، لا يستطيعون مخالفته في نقير ولا قطمير ، فإذا ملك قبيلة من العرب سلّطها على من دنا منها واقترب ، وسلّط الاُخرى على ما بعدها حتّى تبدّد شملها ، فملك أوّلاً الشرق بأكمله ، ثمّ إقليم الأحساء ، والبحرين ، وعمان ، ومسكت ، وقَرُبَ ملكُه بغداد والبصرة هذا حدّه من الشمال ، ثمّ رجع إلى الجنوب فملك الحرار بأسرها ، ثمّ الخيون ذوات النخيل ، وملك الحربيّة ، والفرع ، وجهينة ، ثمّ ملك جميع ما بين مدينة النبيّ صلىاللهعليهوآله والشام حتّى قَرُبَ ملكُه من الشام وحلب ، وملك العربان الذين بين الشام وبغداد ، وملك عربان المشرق والحجاز والقبائل التي حول الطائف ، ثمّ ملك الطائف وكذا القبائل التي حول مكّة ، ثمّ دخل مكّة بالصلح وكانت الحرب بينه وبين سيدنا الشريف غالب رحمهالله من سنة خمس إلى سنة عشرين بعد المائتين والألف إلى أن عجز مولانا الشريف غالب عن حربه ، ولم يبق أحد إلّا صار من حزبه ، فدخل مكّة بالصلح سنة عشرين واستمرّ فيها إلى غاية سنة سبع وعشرين حين جهزّت الدولة العليّة عليه بعساكرها المنصورة ، ووجهت الأمر إلى الوزير المفخّم محمّد علي پاشا صاحب مصر (١) ، فأتاه بجيوش من العساكر المنصورة ، فطهّر الأرض منه ومن أتباعه ، ثمّ جهّز ابنه إبراهيم
__________________
(١) المعروف بمحمد علي الكبير ، مؤسّس آخر دولة ملكية بمصر ، ألباني الأصل ، ولد في قولة ( باليونان ) وكان اُمّياً ، تعلّم القراءة في الخامسة والأربعين من عمره ، ولي مصر سنة ١٢٢٠ ه ، وتوفّي سنة ١٢٦٥ ه ودفن بالقاهرة . الأعلام للزركلي ٦ : ٢٩٩ .