على الكتب ، فكنت إذا انتقلت من كتاب إلى آخر عليه لقمة كنت أضع اللقمة في حلقي وآكله [كذا].
وقد اعتراني الرمد عند تحرير الوصايا ، وكذا عند تحرير القضاء ، وبعد البرء وضعف العين ، كنت أقرّر أنا ويكتب غيري مسودة ، ثمّ كان الكاتب يبيضها.
ومن عجيب ما رأيت من كرامات الشرع أنّ مرّة من مرّات الرمد بقي ضعف في العين بعد برء الرمد ، وحكم طبيبان [حاذقان] (١) بحرمة المطالعة والكتابة علىّ ، فتعطلت أسبوعاً ، وضاق صدري من ذلك غاية الضيق ، فاعترتني قبل الغروب بساعة تقريباً الرقة ـ وكنت في بيت الكتب (٢) ـ فتوجهت إلى جهة حرم أمير المؤمنين عليه السلام فأخذت أبكي وأقول : سيدي! أنا أخدم دفترك لا دفتر فلان فلماذا لا تطيّب (٣) عيني؟ فلمّا بكيت مقداراً أُلهمت أنّ دواء عينك أن تكتب ـ وكان قريب الغروب ـ فتوضأت ومضيت إلى الزيارة ، ثمّ صلّيت المغرب والعشاء خلف حضرة الوالد قدّس سرّه ، ثمّ أتيت إلى الدار وقعدت على كتبي ، وحينئذ لا أرى الكتابة إلاّ بكلفة ، فكنت أدقق النظر وأدرك المطلب وأكتب بهوى اليد ، فبقيت كذلك إلى أربع ساعات ، واحترقت (٤) عمامتي من شدة تقريب الرأس من الكتاب مرّتين أو ثلاثاً.
فلمّا أصبحت رأيت فرقاً في عيني ، فاشتغلت بالكتابة على النحو المذكور ، وكلّما كنت أكتب يوماً أو ليلة كنت أجد فرقاً في نظري ، ولم ينقضِ اليوم الثالث إلاّ وعادت عيني ترى على القاعدة ، ولم يبق من ضعف البصر فيها شيء ،
__________________
(١) الزيادة من تنقيح المقال.
(٢) أي المكتبة.
(٣) في التنقيح : تشفي ، وهو أولى.
(٤) حيث كان الضياء أنذاك فانوس أو شمعة وما شاكل ذلك.