ولقد قيل له قدّس سرّه مراراً : إنّك إذا انتقلت إلى رحمة الله تعالى فبقاء ولديك ـ مع كونهما من أهل العلم والفضل ـ بلا مسكن ليس على ما ينبغي ، فيقول : إنّ لهما الله تعالى ، وإ نّه إن شاء جعلهما صاحبي مساكن وإن لم يشأ يذهب منهما ما أخلّفه لهما من المسكن ، كما ذهبت أملاكي وبلغت فقيراً ، ثمّ رقاني الله تعالى وجعلني من ترون.
ومن حسن نيته وكرامته نسكن أنا والأخ الأعظم كلّ منّا في دار مملوكة من هديّة حلال ، وقد هيّأ الله تعالى داري بعد فوته قدّس سرّه.
وقد كان قدّس سرّه في زمان فاقته يلبس الخام الأزرق ، فلمّا ترقّى لم يتغير لباسه ولا لباسنا ولا مأكله ولا مأكلنا ، ولا استعدّ بأثاث البيت على ما ينبغي ، حتّى أنّه كان مأكلنا وملابسنا وأثاث بيتنا ممّا يضرب به المثل بين أهل العلم ، وقد كُنّا نأخذ في كلّ يوم أوقية من اللحم ـ بالعيار السابق الناقص عن عيار اليوم ـ وكان عيالنا فوق العشرة ، وكنّا نخرج ماءه الأوّل قليلا يختص به الشيخ قدّس سرّه لضعفه ، ونستخرج منه ماءً ثانياً يثردون به العيال ، ونضيف إلى اللحم شيئاً نجعله مرقاً للّيل!!.
وقد كان قدّس سرّه يفرّ من الرئاسة فراره من الأسد .. ولا يسبّب أسبابها ، بل كان يُنفّر الناس عن نفسه ، ومن لاحظ بلوغه في العزّ والجلال إلى المرتبة العليا ـ مع ما به من تنفير الناس وإعراضه عنهم وتهيئة بعض معاصريه أسباب نفرة الناس عنه ـ علم أنّه آية الله العظمى ، وأنّ العزّ بيد الله تعالى ، وأ نّه هو مسبّب الأسباب ، وأنّ أسباب العبد لا أثر لها ، ولعمري إنّ بعض أصحاب معاصريه كُلّما كان يهيّئ أسباب نزوله قدّس سرّه يترقّى ، وكان السبب المنشأ لنزوله سبباً لعزّه وترقّيه.