لا يعطي الحمّامي بمقتضى شأنه ، وكان يقول : ليس إعطاء الزائد كرماً ولا الزيادة مضرة بحالي ولكن ينبغي إعطاء المتعارف خاصّة رعاية لحال الفقراء ، فإنّا إن زدنا على المتعارف لا يعتنى بالفقير الّذي لا يتمكن من إعطاء الزائد.
ومن ظريف ما نقله لي ثقة ـ في مقام بيان انكسار نفسه ، واهتمامه بعدم تضييع وقته ، وعدم تقيّده بقيود أهل الدنيا ـ أنّه قال : دخلت في أيام عيد النيروز الحمّام لأخضّب لحيتي وأدلّك جسدي ، فعطّلني الدلاّك فخرجت غضباناً (١) عازماً على أن أمضي إلى مالك الحمّام وأشكو إليه لينزع الحمّام من يد الحمّامي ـ لما بيني وبين المالك من الألفة والصداقة ـ فلمّا جلست على الدكة لألبس ثيابي رأيت أنّ شيخاً هناك جالس نصف رأسه محلوق ونصفه باق ..! فحقّقت النظر فإذا هو الشيخ قدّس سرّه ، فدنوت منه وسلّمت عليه وأظهرت الإخلاص ، ثمّ أخبرته بكيفية رأسه زاعماً غفلته عنه ، فقال قدّس سرّه : نعم ، حلق السلماني بعض رأسي ومضى لإتمام خدمة آخر ليرجع إليّ ويتمّم رأسي .. فرأيت أنّ أشغاله كثيرة ، وأنّ تعطيلي إلى أن يتمم رأسي
__________________
ـ الأشرف بالزوار ومنهم جمع من أهالي آذربايجان .. وكانت الإنارة ـ كالعادة ـ قليلة جدّاً ومن الصعوبة تشخيص الأفراد ، فوجد شيخاً كبير السن ذا لحية طويلة وهو يغتسل في الخزينة (حوض الحمّام الكبير) ويكرر الارتماس ويظهر منه حركات غريبة .. فتأثر الشيخ من عمله وحركاته ، وسأله : هل أنت مجتهد أم مقلد؟! فقال : أنا مقلد. قال : تقلّد من؟ قال : أقلّد الشيخ المامقاني. قال : هل الشيخ المامقاني قال لك افعل هكذا؟! قال : نعم! فما كان في الشيخ إلاّ أن غضب وقال : (غلط كرد شيخ ..) أي اشتبه وأخطأ لو أفتى بمثل هذا .. فما كان من الرجل ـ وكان من أهل قفقاز ظاهراً ـ إلاّ أن رفع يده وصفع الشيخ دفاعاً عن مرجعه الّذي لم يكن قد رآه إلى ذلك الوقت ، فهرع الحمّامي وجمع لحماية الشيخ .. ثمّ عرف الرجل الشيخ ووقع على يده ورجليه يقبلهما ويعتذر .. وترك عادة الوسوسة وتاب ..
(١) الظاهر : غضبان.