محروم منها بمقدار بقاء بعض شهواته جائعة أو مكبوتة.
غير أن إشباع جميع الشهوات من المستحيل على الانسان في هذه الحياة الدنيا ، ولنضرب مثلا بشهوة حبّ الاستعلاء والسيطرة التي هي أشدّ الشهوات عرامة وقوّة ، فإن الإنسان مهما بلغ من السلطان والاستطالة لا بدّ أن تكون هنا جهات اخرى لم يشملها سلطانه أو تزاحمه عليه وتضايقه أو متمرّدة عليه ، فشهوة السلطان والحال هذه لا تشبع أبدا مهما حاول صاحبها إشباعها ، على أنها كلّما غذيت تقوى وتشتدّ ولا تصل الى حدّ الإشباع ، ومثلها أيضا من هذه الناحية شهوة التملّك والحيازة ، فإن كلّ ما تحقق لصاحبها التملّك من الأموال فإن الأموال ـ بطبيعة الحال ـ لا يحوزها كلّها بل الأكثر يبقى ممتنعا عليه ، وهو يزيد كلّما زادت أمواله شهوة وحرصا على جمعها.
مضافا الى أن إشباع مثل شهوة السيطرة والتملّك لا يتمّ حتّى بعضه إلاّ بالتنازل عن كثير من الشهوات مثل شهوة الراحة والاستقرار والأمن لأن الاحتفاظ بالسيطرة والتملّك أو توسعتهما يستدعي كثيرا من مدافعة المزاحمين ومناهضة المتمرّدين ، وكلّما زادت سيطرته وتملّكه زادت المزاحمة فتزيد محروميّته من اشباع كثير من الشهوات ، وهكذا كلّما زاد الإنسان انغمارا في الشهوات وحرصا على دنياه زادت شهواته عرامة وقوّة وبقيت اكثر شهواته بلا إشباع تلحّ عليه وتؤلمه وتنغّص عليه عيشه وراحته حتّى يموت في سبيل ذلك.
وما أعظم تصوير هذه الناحية في الإنسان في كلمات إمامنا عليهالسلام إذ يقول : « إنّ مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتّى يقتله » (١).
__________________
(١) الكافي ، باب ذمّ الدنيا والزهد فيها : ٢ / ١٣٦ / ٢٤.