ويقول عليهالسلام : « مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القزّ كلّما ازدادت من القزّ على نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج حتّى تموت غمّا » (١).
ويقول عليهالسلام في التحذير من الدنيا : « إنّ مثل الدنيا مثل الحيّة مسّها ليّن وفي جوفها السمّ القاتل ، يحذرها الرجل العاقل ، ويهوى إليها الفتيان بأيديهم » (٢).
أقول : إن الرجل العاقل هو المجرّب الذي خبر الدنيا فعرف أنها لا تصفو من الكدر وأنها تخبئ كثيرا من الآلام والآفات والنكبات ، أما الغرّ غير المجرّب فهو كالطفل يرى حلاوتها ولم يشعر بمرارتها ، فيغترّ بها كما يغترّ بلين مسّ الحيّة وإن كان فيها السمّ القاتل ، والامام عليهالسلام وجميع المصلحين يحذّرون من الاغترار بنعيم الدنيا ، لأنه يسبّب طغيان الانسان وعتوّه ونسيان الآخرة وما يجب من العمل لها في فرصة الحياة الدنيا. وإن شئت أن تبعد غورا في عرفانها فتبصّر بقوله في صفتها :
« إن هذه الدنيا وإن أمتعت ببهجتها ، وغرّت بزبرجها ، فإن آخرها لا يعدو أن يكون كآخر الربيع ، الذي يروق بخضرته ثمّ يهيج (٣) عند انتهاء مدته ، وعلى من نصح لنفسه وعرف ما عليه وله أن ينظر إليها نظر من عقل عن ربّه جلّ وعلا وحذر سوء منقلبه ، فإن هذه الدنيا خدعت قوما فارقوها أسرع ما كانوا إليها ، وأكثر ما كانوا اغتباطا بها ، طرقتهم آجالهم بياتا وهم نائمون ، أو ضحى وهم يلعبون ، فكيف أخرجوا عنها ، والى ما صاروا بعدها ، أعقبتهم الألم ، وأورثتهم
__________________
(١) الكافي ، باب حبّ الدنيا والحرص عليها : ٢ / ٣١٦ / ٧.
(٢) كتاب الزهد للثقة الجليل الحسين بن سعيد بن حمّاد بن مهران الأهوازي ، باب ما جاء في الدنيا ومن طلبها : ٤٥ / ١٢١.
(٣) ينبس.