فقال أبو مرّة لعنه الله : يا أبا الحكم هذا هو الرأي فلا يعدلنّ به رأيا ، فنزل ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ... ) الآية (١).
فجاء جبريل عليهالسلام الى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال له : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. فدعا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّا عليهالسلام وقال له : إنّ الله تعالى أوحى إليّ أن اهجر دار قومي وأن أنطلق الى غار ثور طخا (٢) ليلتي ، وأنّه أمرني أن آمرك بالمبيت على فراشي وأن تلقى عليك شبهي.
فقال علي عليهالسلام : أو تسلم بمنيتي (٣) هناك؟ قال : نعم. فتبسم عليّ ضاحكا ، وأهوى الى الأرض ساجدا ، فكان أوّل من سجد لله شكرا ، وأوّل من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته ، فلمّا رفع رأسه قال له : امض لما امرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي.
قال له عليهالسلام : فارقد على فراشي واشتمل بردي الحضرميّ ، ثمّ إنّي اخبرك يا علي أنّ الله يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه ، فأشدّ الناس بلاء الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل ، فقد امتحنك يا ابن أمّ وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل ، فصبرا صبرا فإنّ رحمة الله قريب من المحسنين ، ثمّ ضمّه صلىاللهعليهوآلهوسلم الى صدره.
واستتبع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا بكر وهند بن أبي هالة وعبد الله بن فهيرة ، ودليلهم ابن لقيط الليثي ، فأمرهم بمكان ذكره لهم ، ولبث هو صلىاللهعليهوآلهوسلم مع علي يوصيه ، ثمّ خرج في حمة العشاء والرصد من قريش قد أطافوا به ينتظرون انتصاف الليل وكان يقرأ ( وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ) (٤) وكانت بيده قبضة تراب فرمى بها على رءوسهم ومضى حتى انتهى إليهم ، فنهضوا معه حتى وصلوا الى الغار ،
__________________
(١) الأنفال : ٣٠.
(٢) الطخاء : ثقل وغشى ، وأصل الطخاء والطخية : الظلمة والغيم. النهاية لابن الأثير : ج ٣ ص ١١٦ وفي نسخة المناقب : « أطحل ليلتي » والطلحة بالضم لون بين الغبرة والسواد كلون الرماد.
(٣) في المناقب : بمبيتي.
(٤) يس : ٨.