أفضلهما ، ثمّ قال له : اركب فداك أبي وامّي.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّي لا أركب بعيرا ليس لي.
قال : فهو لك يا رسول الله بأبي وامّي.
قال : لا ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به؟
قال : كذا وكذا.
قال : قد اخذتها بذلك.
قال : هي لك يا رسول الله ، فركبا وانطلقا (١).
وهذا الخبر ممّا يدلّ على أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم ينفق عليه أبو بكر شيئا ، إذ لو كان قد تقبّل منه النفقة عليه لما رأى أنّه لا يركب له راحلة على سبيل العارية أو الهبة ، ولكان ردّها عليه قبيحا مستهجنا من الناقص فكيف من الكامل المسدّد من قبل الله سبحانه وتعالى.
ودخل المدينة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل. وقيل : الحادي عشر ، وهي السنة الاولى من الهجرة ، فردّ التاريخ الى المحرّم ، فكان نزل عليهالسلام بقبا في دار كلثوم بن الهدم ، ثمّ بدار خيثمة الأوسي ثلاثة أيّام ويقال : اثني عشر يوما ، الى بلوغ علي عليهالسلام وأهل البيت ، وكان أهل المدينة يستقبلون كلّ يوم الى قبا وينصرفون ، فأسّس بقبا مسجدهم.
وخرج يوم الجمعة وقدم الى المدينة ، فتعلّق الناس بزمام الناقة ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا قوم دعوا الناقة فهي مأمورة ، فعلى باب من بركت فأنا عنده. فأطلقوا زمامها وهي تهفّ في السير حتّى دخلت المدينة ، فبركت على باب دار أبي أيّوب الأنصاري ، ولم يكن في المدينة أفقر منه ، فانقطعت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. فنادى أبو أيّوب : يا امّاه افتحي الباب فقد قدم سيّد البشر وأكرم ربيعة ومضر محمّد المصطفى والرسول المجتبى. فخرجت وفتحت الباب وكانت عمياء ، فقالت : وا حسرتاه ليت كان لي عين انظر بها الى وجه سيّدي رسول الله.
__________________
(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٠٤.