فلمّا رأى عكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب وضرار بن الخطّاب عمرا صريعا ولّوا بخيلهم منهزمين حتّى اقتحموا الخندق لا يلوون على شيء ، وانصرف أمير المؤمنين عليهالسلام الى مقامه الأوّل وهو يقول :
نصر الحجارة من سفاهة رأيه |
|
ونصرت ربّ محمّد بصواب |
فضربته فتركته متجدّلا |
|
كالجذع بين دكادك وروابي |
وعففت عن أثوابه ولو أنّني |
|
كنت المقطّر بزّني أثوابي (١) |
وقد روي أنّ عمرا كان يدعو الى البراز ويعرّض بالمسلمين ويقول :
ولقد بححت من النداء |
|
بجمعهم هل من مبارز |
وفي كل ذلك يقوم عليّ عليهالسلام فيأمره النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالجلوس ، فلمّا تتابع قيام أمير المؤمنين عليهالسلام قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ادن منّي يا عليّ. فدنا منه فنزع عمامته من رأسه وعمّمه بها ، وأعطاه سيفه ، وقال له : امض لشأنك ، ثمّ قال : اللهمّ أعنه ، فسعى نحو عمرو ومعه جابر لينظر ما يكون منه ومن عمرو.
فقال جابر رضياللهعنه : فثارت بينهما قترة (٢) فما رأيتهما وسمعت التكبير تحتها ، فعلمت أنّ عليّا عليهالسلام قد قتله ، فانكشف أصحابه حتّى طفرت خيولهم الخندق ، وتبادر المسلمون حين سمعوا التكبير ينظرون ما صنع القوم ، فوجدوا نوفل بن عبد الله في الخندق لم ينهض به فرسه ، فجعلوا يرمونه بالحجارة فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ، ينزل بعضكم إليّ اقاتله. فنزل إليه أمير المؤمنين عليهالسلام فضربه حتى قتله. ولحق هبيرة فأعجزه ، فضرب قربوس سرجه وسقطت درع كانت له ، وفرّ عكرمة ، وهرب ضرار بن الخطّاب.
قال جابر : فما شبّهت قتل عليّ عمرا إلاّ بما قصّ الله تعالى من قصّة داود وجالوت حيث يقول ( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ ) (٣) (٤).
__________________
(١) الإرشاد للمفيد : ص ٥٢ ـ ٥٣.
(٢) القترة : غبرة يعلوها سواد كالدخان ( لسان العرب ٥ / ٧١ ).
(٣) البقرة : ٢٥١.
(٤) الإرشاد للمفيد : ص ٥٣ ـ ٥٤.