فأنزل الله تعالى صدرا من سورة الأنعام في قوله : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً ) (١) إلى رأس الثلاثين منها ، فلو كان أبو طالب كافرا كما ذكروا ما قال : « أنت الأمين » ولا قال : « حسدوا النبوّة » ولا وصفه بالصدق وأنّه مبدي النصيحة وأنّه يستسقى به الغمام. وقال أبو طالب :
تطاول ليلي بهمّ يصب |
|
ودمعي كسحّ (٢) السقاء السرب (٣) |
ولعب قصيّ بأحلامها |
|
وهل يرجع الحلم بعد اللعب |
ونفي قصيّ بني هاشم |
|
كنفي الطهاة (٤) لطاف الحطب |
وقول لأحمد أنت امرؤ |
|
خلوق الحديث ضعيف النسب |
ألا إنّ أحمد قد جاءهم |
|
بحقّ ولم يأتهم بالكذب |
على أنّ إخواننا وازروا |
|
بني هاشم وبني المطّلب |
هما إخوان لعظم اليمين |
|
امرا علينا كعقد الكرب (٥) |
فيا آل قصيّ ألم تخبروا |
|
بما قد خلا من شئون العرب |
فلا تمسكنّ بأيديكم |
|
بعيد الانوف بعجب الذنب (٦) |
ورمتم بأحمد ما رمتم |
|
على الآصرات (٧) وقرب النسب |
فإنّا وما حجّ من راكب |
|
وكعبة مكّة ذات الحجب |
تنالون أحمد أو تصطلوا |
|
بحدّ الرماح وحدّ القضب (٨) |
وتعترفوا بين أبياتكم |
|
صدور العوالي وخيلا عصب (٩) |
__________________
(١) منية الراغب في إيمان أبي طالب : ص ٨٠.
(٢) كسح بالتشديد : السيلان من فوق.
(٣) السرب بالتحريك : الماء السائل.
(٤) الطاهي : الطباخ والشوّاء والخباز وكل معالج للطعام ، والجمع طهاة.
(٥) الكرب بالتحريك : الحبل الذي يشد في وسط الدلو ليلي الماء.
(٦) في المصدر : بعيد الانوق لعجب الذنب.
(٧) الآصرة : الرحم أو القرابة.
(٨) القضب : السيف القاطع.
(٩) العوالي : جمع العالية وهي أعلى القناة أو رأسه أو النصف الذي يلي السنان. والعصب : جمع عصبة بالضم : وهي من الرجال والخيل والطير ما بين العشرة الى الأربعين.