فبينما هو ينشد هذا الشعر إذ سمعته قطام فسلّت سيف عبد الرحمن من غمده ثمّ سقته سمّا وأعادته في غمده ، ثمّ أتى عبد الرحمن لعنه الله المسجد وكمن في طاق من طاقات المسجد قال : ثمّ نزل من الطاق وغلبه النوم ، ثمّ دخل أمير المؤمنين عليهالسلام المسجد فأذّن ، فلمّا فرغ من أذانه والمسجد مظلم ولا يدري من النائم من ظلمة الليل وظلمة المسجد ، فرفسه أمير المؤمنين عليهالسلام وقال له : يا نائم قم صلّ ، فانتبه عبد الرحمن ، ودنا أمير المؤمنين عليهالسلام الى الصلاة فحمل عدوّ الله في ظلمة الليل وظلمة المسجد فضربه على هامته فخرّ صريعا ، وأقبل المسلمون وقالوا قتل أمير المؤمنين.
وخرج أبو ذر العبدي ـ وليس بالغفاري ـ وهو من عبد القيس فلقيه عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله مذعورا ، فقال له : أخا مراد لعلك قتلت أمير المؤمنين؟ فأراد أن يقول لا فحوّل الله عزّ وجلّ لسانه فقال نعم ، فلبّبه العبدي وجلد به الأرض وأقبل حتى أدخله على أمير المؤمنين عليهالسلام فلمّا نظر إليه قال : إن أعيش فأنا وليّ ثاري ، وإن أمت فضربة بضربة فنعم العون كان لنا على عدوّنا.
قال : فلمّا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان دخلت أمّ كلثوم على أبيها وهي باكية فقالت : يا أبتاه على من تخلّف اليتامى الصغار والضعفاء فبكى عليهالسلام وقال : اخلّفكم على من خلّفني حبيبي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ثمّ قال لها : يا أمّ كلثوم اخرجي واخفي الباب.
قالت أمّ كلثوم : ففعلت ذلك ونحن مجتمعون وليس في البيت آدمي غيره ، فسمعنا قائل يقول من داخل البيت : أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة! وقال آخر : اليوم تضعضعت أركان الإيمان ، وذهب نور الإسلام ، وقبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومات عليّ بن أبي طالب ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
قالت أمّ كلثوم : فلمّا سمعت الصوت أفزعنا ، فدخلنا على عليّ عليهالسلام فإذا هو فارق الدنيا وهو مسجّى بثوبه ، فدفن أمير المؤمنين ، وهمّ الحسن والحسين عليهماالسلام بامضاء وصيّته في ابن ملجم لعنه الله.