فانّه من لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه فقد كفر ، ومن حمل المعاصي على الله فقد فجر ، إنّ الله عزّ وجلّ لا يطاع بإكراه ، ولا يعصى بغلبة ، ولا يهمل العباد من الملكة ، ولكنّه المالك لما ملّكهم ، والقادر على ما أقدرهم ، فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن عنهم صادّا مثبّطا ، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ما ائتمروا به فعل وإن لم يفعل فليس هو جبلهم عليها ولا كلّفهم إيّاها جبرا ، بل تمكينه إيّاهم وإعذاره إليهم طرقهم ومكّنهم ، فجعل لهم السبيل إلى أخذ ما أمرهم وترك ما نهاهم عنه ، ووضع التكليف عن أهل النقصان والزمانة والسلام (١).
وقيل : لمّا فرغ عليّ عليهالسلام من الجمل عرض له مرض وحضرت الجمعة فتأخّر عنها وقال لابنه الحسن عليهماالسلام : انطلق يا بنيّ فجمّع بالناس.
فأقبل الحسن عليهالسلام الى المسجد فلمّا استقلّ على المنبر حمد الله وأثنى عليه وتشهّد وصلّى على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ قال : أيّها الناس إنّ الله اختارنا بالنبوّة ، واصطفانا على خلقه ، وأنزل علينا كتابه ووحيه ، وأيم الله لا ينتقصنا أحد من حقّنا شيئا إلاّ ينقصه الله في عاجل دنياه وآجل آخرته ، ولا يكون علينا دولة إلاّ كانت لنا العاقبة ، ولتعلمنّ نبأه بعد حين (٢).
قال محمّد بن مسلم : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : كتب الى الحسن بن عليّ عليهماالسلام قوم من أصحابه يعزّونه عن ابنة له ، فكتب إليهم : أمّا بعد فقد بلغني كتابكم تعزّونني بفلانة ، فعند الله احتسبها تسليما بقضائه ، وصبرا على بلائه ، فإن أوجعتنا المصائب (٣) ، وفجعتنا النوائب بالأحبّة المألوفة التي كانت بنا حفيّة (٤) ، والإخوان المحبّين الذين كان يسرّ بهم الناظرون ، وتقرّبهم العيون ، أضحوا قد اخترمتهم (٥)
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ١٠ ص ١٣٦ باب ٩ ح ٣ نقلا عن كتاب العدد.
(٢) أمالي الطوسي : ج ١ ص ٨٠ ـ ٨١.
(٣) فجعته المصيبة : أي أوجعته ، وكذلك التفجّع.
(٤) الحفاوة : المبالغة في السؤال عن الرجل والعناية في أمره.
(٥) اخترمهم الدهر : أي اقتطعهم واستأصلهم.