قال : وهمّ أن يكلّمني إذ تنخّع الدم ، فدعا بطشت فحمل بين يديه وهو ملآن ممّا خرج من جوفه من الدم. فقلت له : ما هذا يا ابن رسول الله إنّى أراك وجعا؟ قال : أجل دسّ عليّ هذا الطاغية من سقاني سمّا ، وقد وقع على كبدي فهي تخرج قطعا كما ترى. فقلت : ألا تتداوى له؟ فقال : قد سقاني مرّتين وهذه الثالثة لا أجد لها دواء ، ولقد أومأ إليّ أنّه أرسل الى ملك الروم يسأله أن يوجّه له من السمّ القاتل شربة. فكتب إليه أنّه لا يسوغ لنا في ديننا أن نعين على قتل من لا يقاتلنا. فكتب إليه : إنّ ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة قد خرج بطلب ملك أبيه وأنا اريد أن أدسّ عليه من يسقيه ذلك فاريح العباد والبلاد منه. ووجّه إليه بهدايا وألطاف. فوجّه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دسّ بها فسقيتها (١).
وروي أنّ قثم بن عبّاس رضي الله عنهما وفد على معاوية فأطال عنده المكث ، ثمّ دخل عليه يوما فرأى وجه معاوية يتهلّل بالسرور والبشرى ووجوه أهله وهو ظاهر عليهم ، فلمّا جلس ابن عبّاس رضي الله عنهما قال له معاوية : أتدري يا ابن عبّاس ما حدث في أهلك؟ قال : الله العالم غير أنّي أرى السرور في وجهك ووجوه جلسائك وأهلك ، فما هو؟ فقال : مات الحسن بن عليّ. فقال له ابن عبّاس : ما زاد ما نقص من أجله في عمرك ، ولا سدّ حفرتك ، ولقد رزيناه بأعظم رزيّة بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فما ضيّعنا الله بعده ، وو الله لا دخلت المدينة بعده أبدا. وقام فخرج كئيبا محزونا. ثمّ دخل بعد ذلك الى معاوية فقال له : تدري ما حدث في أهلك. قال : الله أعلم. قال : مات اسامة. فنهض من عنده وهو يقول :
أصبح اليوم ابن هند شامتا |
|
يظهر الفرحة إذ مات الحسن |
لست بالباقي فلا تشمت به |
|
كلّ حيّ للمنايا مرتهن |
سوف يبدو في الموازين غدا |
|
منكم من فاز منها بالغين |
__________________
(١) الاحتجاج : ص ٢٩١ ـ ٢٩٢.