الأعمش ، قال : بينا أنا في الطواف أطوف بالبيت وكنّا بالموسم إذ رأيت رجلا يدعو ويقول في دعائه : اللهمّ اغفر لي وأنا أعلم أنّك لا تغفر لي قال : فارتعت لذلك ، ثمّ دنوت الى الرجل فقلت : يا هذا أنت في حرم الله عزّ وجلّ وهذه أيّام حرم في شهر عظيم ، فلم تأيس من المغفرة؟
فقال : يا هذا إنّ ذنبي عظيم. فقلت : أعظم من تهامة؟ قال : نعم. قلت أعظم من الجبال الرواسي؟ قال : نعم وإن شئت أخبرتك. فقلت : أخبرني : قال : اخرج بنا عن الحرم الى الحلّ. فخرجنا من الحرم حتى أتينا شعب أبي طالب ، فقلت له : يا هذا حدّثني بحديثك فقد كادت نفسي تتلف شوقا. فقال : اخرج عن شعب أبي طالب فإنّي ما كنت لأقعد في شعب رجل سعيت في قتل ولده. فخرجنا عن الشعب وجلسنا في ظاهر مكّة ، فقال لي : أنا أحد من كان في العسكر المشؤوم عسكر عمر بن سعد حين قتل الحسين عليهالسلام ، وكنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس الى يزيد قبّح الله وجهه ، وكان السبب في ذلك انّا فارقنا الكوفة وحملناه على طريق الشام فنزلنا على دير النصارى ، وكان الرأس معنا مركوز على رمح ومعه الأحراس ، فوضعنا الطعام وجلسنا لنأكل ، وإذا بكفّ تكتب على حائط الدير :
أترجو أمّة قتلت حسينا |
|
شفاعة جدّه يوم الحساب |
قال : فجزعنا لذلك جزعا شديدا ، وأهوى بعضنا الى الكفّ ليأخذها فغابت. ثمّ عاد أصحابي الى الطعام ليأكلوا فإذا الكفّ قد عادت تكتب مثل الأوّل ، فقام أصحابنا إليها فغابت ، فامتنعت من الطعام وما هنأني أكله.
ثمّ أشرف علينا راهب من الدير فرأى نورا ساطعا من فوق الرأس ، فأشرف فرأى عسكرا ، فقال الراهب للحرس : من أين جئتم؟ قالوا : من العراق حاربنا الحسين بن عليّ عليهالسلام. فقال الراهب : ابن فاطمة الزهراء ابن بنت رسولكم وابن عمّ نبيّكم. قالوا : نعم. قال : تبّا لكم يا معاشر القوم ، والله لو كان لعيسى ابن لحملناه على أحداقنا ، ولكن لي إليكم حاجة. قالوا : وما هي؟ قال : قولوا لرئيسكم عندي عشرة آلاف دينار ورثتها عن أبي وورثها أبي عن جدّي ليأخذها ويعطيني الرأس يكون