عندي الى وقت الرحيل ، فإذا رحل رددته إليه.
فاخبروا عمر بن سعد بذلك فقال : خذوا منه الدنانير واعطوه الرأس الى وقت الرحيل.
فجاءوا الى الراهب فقالوا : هات المال حتى نعطيك الرأس. فأدلى الراهب جرابين في كلّ جراب خمسة آلاف دينار. فدعا عمر بالناقد والوزّان فانتقدا ووزنا ودفعها الى جارية له ، وأمر أن يعطى الرأس. فأخذ الراهب الرأس فغسّله ونظّفه وحشّاه بمسك وكافور كان عنده ثمّ جعله في حرير ووضعه في حجره ، ولم يزل ينوح ويبكي عليه حتى نادوه وطلبوا منه الرأس ، وقال : يا رأس والله ما أملك إلاّ نفسي فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدّك محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله أسلمت على يديك وأنا مولاك. ثمّ قال لهم : إنّي أحتاج أن اكلّم رئيسكم بكلمة واعطيكم الرأس.
فدنا عمر بن سعد منه فقال له : سألتك بالله وبحقّ محمّد أن لا تعود الى ما كنت تفعله بهذا الرأس ، ولا يخرج هذا الرأس من هذا الصندوق.
فقال له : أفعل. فأعطاهم الرأس ونزل من ديره ، ولحق ببعض الجبال يعبد الله تعالى.
ومضى عمر بن سعد لعنة الله عليه ففعل بالرأس مثل ما كان يفعل في الأوّل ، فلمّا دنا من دمشق قال لأصحابه : انزلوا هذه اللّيلة حتى ندخل غدا دمشق. قال : ففعلوا ، فلمّا نزل عمر بن سعد لعنه الله قال للجارية : عليّ بالجرابين ، فاحضرا بين يديه ، فنظر الى خاتمه ، ثمّ أمر أن يفتحهما فإذا الدنانير قد تحوّلت خرقا ، فنظروا الى سكّتها فإذا على جانب مكتوب : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) (١) وعلى الوجه الآخر مكتوب : ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (٢) فقال : إنا لله وإنّا إليه راجعون خسرت الدنيا والآخرة. ثمّ قال لغلمانه : اطرحوها في النهر ،
__________________
(١) ابراهيم : ٤٢.
(٢) الشعراء : ٢٢٧.