ثمّ قال لنا : احيوا ليلتكم هذه بقراءة القرآن والدعاء والتهجّد والتضرّع الى الله والله لا أعلم أنّه أمسى على الأرض عصابة أنصح لله ولرسوله وللإسلام منكم.
قال أبو مخنف : فلمّا كان يوم الجمعة دعا يوسف بن عمر الريّان بن سلمة فأتاه بغير سلاح ، فقال له : قبّحك الله من صاحب حرب ، ثمّ دعا العبّاس بن سعد المزني فبعثه في أهل الشام الى زيد بن عليّ ، وخرج زيد في أصحابه فلمّا رآهم العبّاس بن سعد نادى : يا أهل الشام الأرض الأرض ، لأنّه لم يكن له رجاله فنزل كثير منهم واقتتلوا قتالا شديدا.
فقال أبو معمّر : فشددنا على الصف الأوّل فغضضناه ، ثمّ على الثاني ، ثمّ على الثالث وهزمناهم ، وجعل زيد يقول : ( وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ ) (١) وجعلوا يرمونه ، فأصابه ثلاثة عشر نشّابة.
وقال : فبينا نحن نكاثرهم إذ رمي زيد بسهم في جبينه الأيسر فخالط دماغه حتّى خرج من قفاه فقال : الشهادة في الله والحمد لله الذي رزقنيها ، فحملناه على حمار الى بيت امرأة همدانيّة. فقال وهو في كرب الموت : ادعوا لي ابني يحيى ، فدعوناه.
فلمّا دخل عليه جمع قميصه في كفّه وجعل يمسح ذلك الكرب عن وجهه ، وقال : ابشر يا بن رسول الله ، تقدم على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليّ والحسن والحسين وخديجة وفاطمة عليهمالسلام وهم عنك راضون. قال : صدقت يا بنيّ ، فما في نفسك؟ قال : أن اجاهد القوم والله إلاّ أن لا أجد أحدا يعينني. قال : نعم يا بنيّ جاهدهم ، فو الله إنّك على الحقّ وانّهم لعلى الباطل ، وإنّ قتلاك في الجنّة وقتلاهم في النار.
وقال سلمة بن ثابت ـ وكان مع زيد بن عليّ ـ : إنّه دخل عليه وجاءه بطبيب يقال له سفين فانتزع النصل من جبينه وأنا أنظر إليه ، فما انتزعه حتّى قضى نحبه : فقال له أصحابه : أين ندفنه؟ فقال بعضهم : نحزّ رأسه ونجعله بين القتلى فلا يعرف فقال ابنه : والله لا أجعل جسد أبي طعام الكلاب. فقال بعضهم : ندفنه بالعباسيّة.
__________________
(١) آل عمران : ١٥٨.