قال : فلبث بضع عشر شهرا يدعو ويبايع ، وخرج يوم الأربعاء غرّة صفر سنة اثنتي وعشرين ومائة ، وعلى العراقين يوسف بن عمر بن أبي عقيل الثقفي من قبل هشام بن عبد الملك ، فخرج على أصحابه وهو على برذون أشهب في قباء أبيض تحته درع وبين يدي قربوسه مصحف منشور وقال : سلوني فو الله ما تسألوني عن حلال وحرام ومتشابه وناسخ ومنسوخ وأمثال وقصص إلاّ أنبأتكم به ، والله ما وقفت هذا الموقف إلاّ وأنا اعلّم اهل بيتي بما يحتاج إليه هذه الامّة.
ولمّا خفقت راياته رفع يديه الى السماء ثمّ قال : الحمد لله الذي أكمل لي ديني ، والله ما يسرّني أنّى لقيت محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم آمر امّته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر ، والله ما ابالي إذا أقمت كتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه اجّجت لي نار ثمّ قذفت فيها ثمّ صرت بعد ذلك الى رحمة الله ، والله لا ينصرني أحد إلاّ كان في الرفيق الأعلى مع محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، والله ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي ، ولا انتهكت محرّما منذ عرفت أنّ الله يؤاخذني عليه ، هلمّوا فسلوني.
قال : ثمّ سار حتى انتهى الى الكناسة فحمل على جماعة من أهل الشام كانوا بها ، ثمّ سار الى الجبّانة ويوسف بن عمر بن أبي عقيل مع أصحابه على التلّ ، فشدّ بالجمع الذي معه على زيد وأصحابه.
فقال أبو معمّر : فرأيت زيدا قد شدّ عليهم كأنّه الليث حتى قتلنا منهم أكثر من ألفي رجل ما بين الحيرة والكوفة وتفرّقنا فرقتين ، وكنّا من أهل الكوفة أشدّ منّا لأهل الشّام.
قال أبو معمّر : فلمّا كان يوم الخميس فارقنا جماعة من أصحابنا فتبعناهم فقتلنا منهم أكثر من مائتي رجل. فلمّا جنّ عليه الليل وكانت ليلة الجمعة كثر فينا الجراح واستبان فينا القتل ، وجعل زيد يدعو وقال : اللهمّ هؤلاء يقاتلون عدوّك وعدوّ رسولك ودينك الذي ارتضيته لعبادك فاجزهم أفضل ما جزيت به أحدا من عبادك المؤمنين.