هذا ولكن الظاهر أنه لا يمكن تتميم شيء من هذين القولين على إطلاقهما ، لأن لهذه الصورة أيضاً شقين :
أحدهما : ما إذا كان المنكشف بالعلم الإجمالي المتأخر عن الملاقاة وعن العلم بها متقدماً عليهما ، كما إذا علمنا بحدوث الملاقاة يوم الخميس وفي يوم الجمعة حصل العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين يوم الأربعاء فالكاشف وهو العلم الإجمالي وإن كان متأخراً عن الملاقاة والعلم بها إلاّ أن المنكشف متقدم عليهما.
وثانيهما : ما إذا كان المنكشف بالعلم الإجمالي المتأخر عن الملاقاة وعن العلم بها مقارناً معهما ، وهذا كما إذا علمنا بوقوع ثوب في أحد الإناءين يوم الخميس وفي يوم الجمعة حصل العلم الإجمالي بوقوع قطرة دم على أحد الإناءين حين وقوع الثوب في أحدهما.
أمّا الشق الأول : فالحق فيه هو ما ذهب إليه شيخنا الأنصاري قدسسره من عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي ، وهذا لا من جهة تقدم الأصل الجاري في الملاقي على الأصل في الملاقي رتبة ، فإن ذلك لا يستقيم من جهة أن أدلّة اعتبار الأُصول إنما هي ناظرة إلى الأعمال الخارجية ومتكفلة لبيان أحكامها ، ومن هنا سميت بالأُصول العملية ، وغير ناظرة إلى أحكام الرتبة بوجه ، ومع فعلية الشك في كل واحد من الملاقي والملاقى لا وجه لاختصاص المعارضة بالأصل السببي بعد تساوي نسبة العلم الإجمالي إليه وإلى الأصل المسببي.
نعم ، التقدم الرتبي إنما يجدي على تقدير جريان الأصل في السبب بمعنى أن الأصل السببي على تقدير جريانه لا يبقي مجالاً لجريان الأصل المسببي ، وأمّا على تقدير عدم جريانه فهو والأصل المسببي على حد سواء. بيان ذلك : أن الأصل السببي إنما يرفع موضوع الأصل الجاري في المسبب فيما إذا كانت بينهما معارضة ، والمعارضة في المقام غير واقعة بين الأصل السببي والمسببي ، وإنما المعارضة بين كل من الأصل الجاري في السبب والمسبب وبين الأصل الجاري في الطرف الآخر ، ومن الظاهر أن نسبة العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي والملاقى أو الطرف الآخر على حد سواء بالإضافة إلى الجميع وليست فيها سببية ولا مسببية. نعم ، الشك في الملاقي مسبب عن الشك في الملاقي.