يوجب سقوط الرواية عن الاعتبار فتبقى الطائفة الاولى من غير معارض.
وأمّا إذا بنينا على ما سلكناه من أن إعراض المشهور عن رواية صحيحة لا يوجب سقوطها عن الاعتبار فأيضاً لا بدّ من تقديم الطائفة الأُولى على الثانية وذلك إمّا لأن الطائفة الثانية موافقة للعامة على ما نسبه إليهم في الوسائل ولو في زمان صدور الرواية ، لاحتمال أن يكون العامّة في تلك الأزمنة قائلين بعدم وجوب الغسل على المرأة بالإنزال. وإما لأنها أشبه بفتاواهم ، فإن قوله عليهالسلام في رواية عبيد ابن زرارة : إن الله وضع الاغتسال من الجنابة على الرجال ، وقال ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) ، ولم يقل ذلك لهنّ. ممّا لا يمكن إسناده إلى الإمام ، كيف وجميع الأحكام والخطابات الواردة في الكتاب أو أغلبها متوجهة إلى الرِّجال ، ولازم ذلك عدم تكليفهنّ بشيء مما كلف به الرجال.
على أنها فرضت أن المرأة تجنب بالإمناء حيث قال : « على المرأة غسل من جنابتها » وإنما دلّت على عدم وجوب الغسل في حقها ، وهو كما ترى مما لا يمكن التفوه به ، إذ كيف تكون المرأة جنباً ولا يجب عليها الغسل؟ وكذلك تعليله عليهالسلام في صحيحة محمّد بن مسلم من أن الغسل إنما يجب بالمواقعة سواء كانت في الخارج أم في المنام ، فان الغسل وإن كان يجب بالمواقعة إلاّ أنها إنما تسببه فيما إذا تحققت في الخارج ، وأمّا تخيّل المواقعة في المنام فلا تكون موجبة للغسل أبداً. وهل ترى أن من رأى في المنام أنه قتل أحداً يجب أن يعطي الدية ويقتص منه؟ وكذا إذا رأت في المنام أنها حاضت حيث لا يجب عليها الغسل بذلك ، فهذا أشبه بفتاوى الناس ، وما أشبه بأحكامهم فهو مردود وغير مقبول ، لأن ما أشبه قول الناس ففيه التقيّة كما في الخبر (١).
ثمّ لو أغمضنا عن ذلك فالطائفتان متعارضتان ، لمنافاة وجوب الغسل على المرأة مع عدم وجوبه عليها فلا بدّ من الحكم بتساقطها والرجوع إلى المطلقات ، وهي تدلّ
__________________
(١) راجع ما رواه عبيد بن زرارة ، الوسائل ٢٧ : ١٢٣ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٤٦.