لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ... ) (١) وذلك بموردين منها :
أحدهما : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) بدعوى أن إطلاق حل الرفث ليلة الصيام يشمل الجزء الأخير منها أيضاً ، فإذا جاز الرفث في ذلك الجزء الأخير فلا يحرم البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر لا محالة ولا تكون الطّهارة في طلوع الفجر شرطاً في صحّة الصيام.
وفيه : أن حل الرفث في ليلة الصيام إنما هو في قبال حرمته في الشرائع السابقة ومن هنا خصّت الحليّة بتلك الأُمّة حيث قال ( أُحِلَّ لَكُمْ ) فلا نظر للآية المباركة إلاّ إلى الترخيص في الرفث في قبال المنع ، وأما الترخيص إلى الجزء الأخير وأن البقاء على الجنابة جائز أو غير جائز فلا نظر في الآية إليه وليست بصدد بيانه فلا إطلاق لها من هذه الجهة.
ثانيهما : قوله ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) بدعوى أن جواز المباشرة مغيا بطلوع الفجر وثابت إلى الجزء الأخير من اللّيل ومعه لا معنى لحرمة البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر. ويدفعه : أن قوله ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) كحلية الرفث إنما هو بصدد إثبات الجواز فقط ، وليس قوله ( حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ ... ) غاية له وإنما هو غاية لجواز الأكل والشرب ، لانفصال قوله ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) عن قوله ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ) بجملة ( وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ).
والغرض من التعرّض للاستدلال بالآية المباركة أن لا يتوهم أن الطائفتين من الأخبار بعد تساقطهما بالتعارض يرجع إلى إطلاق الآية المباركة ، لما عرفت من أنها ليست مطلقة ، هذا كله في المسألة الأُولى.
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٨٧.