أوّلاً : أن ذلك غير مختص بغسل الجنابة ، بل الأمر كذلك في كل مقدّمة لا يمكن الإتيان بها بعد دخول وقت الواجب كغسل الحيض والنفاس والاستحاضة فيما إذا طهرت قبل طلوع الفجر ، فلازم ذلك الالتزام بالوجوب النفسي في الجميع.
وثانياً : أن الحصر غير حاصر ، فان لنا أن نلتزم بوجوب الغسل للغير لا بوجوبه النفسي ولا الغيري ، وهذا لا بملاك مستقل غير ملاك الواجب ليرد محذور تعدّد العقاب عند ترك الواجب لترك مقدّمته ، بل بملاك نفس ذي المقدّمة لا بوجوبه النفسي ولا الغيري. وقد بيّنا في محلِّه أن الواجب للغير غير الواجب الغيري (١) فنلتزم بأن غسل الجنابة وغيره من المقدّمات غير المقدورة في ظرف الواجب واجب للغير ، فلا يتعيّن القول بالوجوب النفسي حينئذٍ للفرار عن المحذور.
وثالثاً : يمكننا القول بوجوبه الغيري ، لأن الصوم إنما وجب من أوّل اللّيل بل من أوّل الشهر ، لقوله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٢) بناء على أنّ المراد بالشهادة هو الرؤية ، فالوجوب قبل طلوع الفجر فعلي والواجب استقبالي وظرفه متأخر كما التزمنا بذلك في جميع الواجبات المعلّقة ، ومع فعلية الوجوب تجب المقدّمة ولا يشترط في وجوبها فعليّة ظرف الواجب أيضا.
ورابعاً : يمكننا إنكار وجوب الغسل حينئذ رأساً ولا نلتزم بوجوبه ولو مقدّمة لأنا لا نلتزم بوجوب مقدّمة الواجب عند فعلية وجوب ذي المقدّمة شرعاً فضلاً عما إذا لم يجب ، وإنما تجب المقدّمة عقلاً تحصيلاً للغرض الملزم ، فان ترك المقدّمة تفويت اختياري للواجب ، بلا فرق في ذلك قبل الوقت وبعده ، لأنّ العقل هو الحاكم بالاستقلال في باب الإطاعة والعصيان ، وحيث إن الإتيان بالواجب موقوف على إتيان مقدّمته ولو قبل الوقت فالعقل مستقل بلزوم إتيانه كذلك ، لأن تركه ترك للغرض الملزم بالاختيار.
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٣٥٥.
(٢) البقرة ٢ : ١٨٥.