مقام نفي الثواب ، ومع صحّة العمل لا معنى لعدم القبول ، فنفيه عين بطلان العمل وعدم صحّته وهو بمعنى عدم احتسابه عملاً. وبهذا المعنى أيضاً يستعمل في عرفنا اليوم فيقال لا أقبل ذلك منك ، بمعنى لا أحسبه عملاً لك فهو كالعدم ، نعم قد يرد أن العمل الفلاني لا يثاب عليه ، ولا إشكال أنه أعم من البطلان ، إلاّ أنه أمر آخر غير نفي القبول.
وأمّا الآية المباركة الواردة في قضيّة ابني آدم ( إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) (١) فهي أجنبية عمّا نحن بصدده ، لأن المتقين في الآية المباركة بمعنى المؤمنين ، أي من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر ، والقاتل في الآية المباركة لم يكن مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر ، ولذا كان مخلداً في النار في التابوت ، ويؤيده تفسيره بالشيعة في زماننا بمعنى المؤمن في كل عصر. ومن الظاهر أن غير المؤمن لا يتقبّل عمله لبطلانه وعدم إيمان فاعله ، فالآية المباركة غير راجعة إلى ما نحن فيه.
ثمّ لو فسرنا المتقين بمن اجتنب عن المحرمات وأتى بالواجبات فلا مناص من التأويل في ظاهر الآية المباركة بحملها على عدم الثواب بمرتبته الراقية وعدم القبول الكامل الحسن ، وذلك لضرورة أنّ أعمال غير المتقين أعني الفسقة أيضاً مقبولة وهي ممّا يثاب عليه ، وكيف يمكن أن يدعى أن من ارتكب شيئاً من الفسق لا يقبل عمله ولا يثاب عليه مع صراحة الكتاب العزيز في أنه مما يثاب عليه ويعاقب لقوله تعالى ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (٢) وعليه لا بدّ من حمل نفي القبول في الآية المباركة على أن عمل غير المتقين بالمعنى الأخير ممّا لا يثاب عليه بثواب كامل ولا يقبل بقبول حسن.
الثالث : أن دلالة الأخبار الواردة في المقام على حرمة العبادة المراءى فيها كافية
__________________
(١) المائدة ٥ : ٢٧.
(٢) الزّلزلة ٩٩ : ٧ ، ٨.