وثانيا ـ بأنّ اللازم في مقام إرادة معنى من لفظ إنّما هو تصوّر ذلك المعنى بوجهه ، فيكفي في إرادة الطلب المطلق من الصيغة تصوّره بوجه الآلية ، ولا ريب أنّ تصوّره على هذا الوجه لا يتوقّف على تصوّر خصوص ما يقصد كونه آلة لتعرّف حاله ، بل يكفي تصوّر متعلّقه بوجه ما ، فلنوضّح ذلك بقياس ما نحن فيه بالحروف ، فنقول :
إنّ كلمة ( من ) مثلا موضوعة للابتداء على وجه الآلية ، وهو ما يعبّر عنه بالفارسية بـ ( از ) ، وكذا كلمة ( إلى ) موضوعة للانتهاء كذلك ، وهو ما يعبّر عنه بالفارسية بـ ( تا ) ، وكلمة ( في ) موضوعة للظرفية كذلك ، وهو ما يعبّر عنه بالفارسية بـ ( در ) كما أنّ لفظ ( الابتداء والانتهاء والظرف ) موضوعة للمعاني الاسمية ، وهي ما يعبّر عنها بـ ( نخستين وسامان وآغاز وأنجام ـ على اختلاف موارد الاستعمال ـ وجاء ) ، فإذا أردت استعمال تلك الحروف ، فهل تستعملها في أزيد من معنى ( أز ، وتا ، ودر )؟ وإنّما تفيد خصوصية متعلّقاتها بذكر الألفاظ الدالّة على تلك المتعلّقات من البصرة والكوفة والدار في قولك : سرت من البصرة إلى الكوفة أو رأيت زيدا في الدار.
وأيضا لا ريب أنّه قد يتّفق أنّه قد يستعمل الشخص تلك الحروف مع عدم تعيّن شيء من خصوصيات متعلّقاتها بعد ، كما تقول : ( اضرب زيدا في السوق ) مع عدم تصوّر السوق وتعيّنه عند ذكر ( في ) ، وإنما تصوّره وتعيّنه بعده فتذكر السوق ، فهل يلتزم أحد بأنّ ( في ) في هذه الصورة مهملة لم يرد بها المعنى؟!
فإذا عرفت ذلك فقس عليه ما نحن فيه ، فإنّ الصيغة موضوعة للطلب على وجه الآلية ، وهو ما يعبّر عنه بالفارسية بـ ( بكن ) كما أنّ لفظ الطلب موضوع للمعنى الاسمي المعبّر عنه بالفارسية بـ ( خواستن ) ، ولا ريب في إمكان استعمال الصيغة في هذا المعنى وحده ، غاية الأمر أنّه يفاد خصوصيته من الخارج