ثم إنّه قال بعض المحقّقين عن المتأخّرين (١) ـ بعد اختياره القول بعدم إفادة النهي التكرار ـ :
( ثمّ إنّ ما ذكرنا من حصول الامتثال بترك الطبيعة في الجملة إنّما هو بالنسبة إلى الزمان والأفراد المتعاقبة بحسب تماديه ، وأمّا الأفراد المتمايزة بسائر المشخّصات فكلاّ ، فمن (٢) ترك الزنا بامرأة معيّنة وارتكب الزنا مع الأخرى فلا يحصل له الامتثال حينئذ لأجل ذلك الترك ، فإنّ الطبيعة لم تترك حينئذ ، مع أنّ الامتثال بالترك الآخر حينئذ محال لعدم المقدورية ، لأنّ المقدور ما يتساوى طرفاه ، فكما لا يمكن تحصيل زناءين في آن واحد لا يمكن ترك أحدهما في آن ارتكاب الآخر.
وبالجملة : فلا بدّ من ترك الطبيعة رأسا في آن من الأوان ليتحقّق الامتثال ، ولا يحصل إلاّ بترك جميع الأفراد ). انتهى.
ولا يخفى ما فيه من الضعف لمن تأمّل ما قدّمنا ، وتوضيحه :
أنّه إمّا أن يجعل الطبيعة المتعلّقة للنهي مأخوذة على الوجه الأوّل ، وإمّا أن يجعلها مأخوذة على الوجه الثاني ، فعلى الأوّل فهو وإن كان مستلزما للعموم بالنسبة إلى الأفراد الغير المتشخّصة بالزمان ، إلاّ أنّه مستلزم للزمانية منها ـ أيضا ـ فيلزمه القول بالدوام مع أنّه ـ قدّس سرّه ـ لا يقول به ولا باعتبارها على ذلك الوجه ـ أيضا ـ كما هو الظاهر ، وعلى الثاني ـ كما هو الظاهر من كلامه بل الصريح ـ فقد عرفت أنّه لا يقتضي العموم بالنسبة إلى الأفراد مطلقا من غير فرق بين الزمانية منها وغيرها.
وكيف كان ، فقد علمت أنّه لا فرق بين الأفراد الزمانية وغيرها بوجه
__________________
(١) قوانين الأصول : ١ ـ ١٣٩.
(٢) في الأصل : ( فلا ، كمن .. ). ، وقد أثبتنا العبارة كما في المصدر.