واحد من غير حاجة إلى أزيد منه ، وانتفاؤه جميع الأفراد ، إذ بوجود واحد منها ـ كما عرفت ـ يصدق وجوده البتّة ، والأفراد الاخر على تقدير وجودها لا تكون موجدة لغير ما أوجد ذلك الفرد ، والمفروض وجوده به ، ولا مؤثّرة في عدم ذلك الموجود ، فإنّ عدمها إنّما هو عدم اقتضاء وجوده ، لا اقتضاء عدمه ، إذ المفروض كفاية وجود كلّ من الأفراد في وجوده وتساويها في ذلك وكونها موجدة لأمر واحد ، وهو ذلك الموجود ، فإذا صدق وجوده يمتنع (١) صدق عدمه.
نعم لو اعتبرت الطبيعة متقيّدة بخصوصيّات الأفراد فهي حينئذ لانحلالها إلى أمور متعدّدة يصدق تركه بترك بعض الأفراد مع وجود بعض آخر.
والفرق بين هذا وبين الاعتبار السابق أنّ الأفراد هنا حقيقة اعتبر كل منها موضوعا مستقلاّ للحكم ويكون النّظر إلى خصوصياتها.
وبعبارة أوضح : إنّ الطبيعة إنّما اعتبرت بملاحظة كلّ واحدة من خصوصيات الأفراد ، فيكون كلّ فرد موجدا لما يغاير ما أوجده الآخر ، وحاكيا عمّا يغاير المحكيّ بالآخر ، فإنّ النّظر في كلّ منها حينئذ إلى الحصّة الخاصّة من الطبيعة الموجودة في ضمنه ، لا إلى القدر المشترك بين تلك الحصص ـ كما في القسم السابق ـ فيصدق السلب والإيجاب الجزئيين فيها ـ حينئذ ـ لاختلاف موضوعهما وتعدّدهما باعتبار التقيد ، فإنّ انتفاء كلّ من الأفراد حينئذ مؤثّر في انعدام الطبيعة المتقيّدة به ، كما أنّ وجوده مؤثّر في وجودها كما في الاعتبار السابق فتظهر الثمرة بين الاعتبارين في جانب النفي.
وبالجملة : فقد ظهر من ذلك توقّف صدق المتناقضين كالضّدّين في الطبيعة على اعتبار أمر زائد على أصلها ، وأنّها لو خلّيت ونفسها يمتنع فيها ذلك كما عرفت.
__________________
(١) في الأصل : فيمتنع.