الإشكال ـ كما بيّناه في مسألة نصب الطرق في مسألة حجّيّة المظنّة (١) ـ إلاّ أنّه يجب على الشارع ـ حينئذ ـ تدارك ما فات المكلّف (٢) من مصلحة الواقع بسبب العمل بها ، ولو بإعطاء الثواب بمقدار ثواب ذلك المقدار الفائت.
وكيف كان ، فيجب على الشارع تدارك ذلك المقدار إمّا بإعطاء الثواب ، أو بمصلحة في نفس العمل والسلوك على مقتضاها إن تعقّلنا اجتماعها مع الأمر بها على وجه الطريقية.
فإذا عرفت ذلك فنقول : إذا عمل بها المكلّف المتمكّن من تحصيل الواقع ، فإن انكشف مصادفتها للواقع ، أو لم ينكشف شيء منها ولا من الخلاف إلى آخر عمره فلا إشكال في ثبوت الإجزاء.
وأمّا إذا انكشف الخلاف فهو إمّا في الوقت أو في خارجه :
فعلى الأوّل : لا ينبغي الإشكال في عدم الإجزاء ، والوجه فيه بقاء الأمر الأوّل الواقعي ـ حينئذ ـ على حاله المقتضي للإتيان بمتعلّقه ، لما مرّ من أنّ الأوامر المتعلّقة بالسلوك على مقتضى الطرق والأمارات والاستصحاب إنّما هي أوامر ظاهرية طريقية ، فهي غير قابلة للتصرّف في دليل الواقع ولا في مصلحته أصلا ، فيكون العمل بمقتضاها كالعمل بالطرق العقلية من هذه الحيثيّة ، وإنّما الواجب على الشارع تدارك ما فات على المكلّف بسبب العمل بها ، والمفروض عدم فوت الواقع عليه بسبب العمل بها في أوّل الوقت ، لفرض بقاء وقته بمقدار تحصيله فيه ، فيكون فوته ـ حينئذ ـ مستندا إلى سوء اختيار المكلّف جدّاً ، فإذا فرض بقاء وقته من غير تدارك له فالامر الأوّل الواقعي باق
__________________
(١) مظنّة الشيء ـ بفتح الميم وكسر الظاء ـ موضعه ومألفه الّذي يظنّ كونه فيه ، والجمع مظانّ. مجمع البحرين : ٦ ـ ٢٨٠ ، ولسان العرب : ١٣ ـ ٢٧٤ ـ مادة ظنن. والمظنّة مصدر ميمي لظنّ بمعنى الظنّ مع زيادة توكيد.
(٢) في الأصل : ما فات على المكلّف.