وتوضيح المقال في الجمع : أنّ هاهنا مقامين :
أحدهما : ما إذا قامت تلك الطرق والأمارات والأصول على موضوع قد اعتبر تحقّقه في المأمور به بمقتضى دليل الواقع ، ثمّ انكشف الخلاف ، فورد دليل على الإجزاء ، وهذا كما إذا ثبت الطهارة من الحدث أو الخبث بالبيّنة أو بالاستصحاب ـ مثلا ـ أو اعتقد المكلّف أنّه متطهّر فصلّى فيه ، ثمّ انكشف الخلاف ، فورد دليل على إجزاء الصلاة الواقعة بدون الطهارة واقعا عن الصلاة معها كذلك ، التي هي المأمور بها الواقعي (١) ، أو ثبت تذكية جلد حيوان بالبيّنة ، أو بأخذه من سوق المسلمين ، ثمّ انكشف كونه من الميتة ، كما ورد ذلك في الجاهل بالنجاسة من أنّه تمّت صلاته ، وأنّه لا يعيدها (٢).
وثانيهما : ما إذا قامت هي على الحكم دون الموضوع كما إذا ثبت عدم جزئية شيء أو شرطيته في المأمور به بالطرق أو الأصول ، ثمّ انكشف بعد العمل على طبقها الخلاف ، فورد دليل على الإجزاء حينئذ ، كما ورد ذلك في الجاهل بالجهر في موضع الإخفات أو العكس.
والمتصوّر للجمع بين الأدلّة في المقام الأوّل وجوه :
أحدها : أن يخصّص دليل الواقع ـ وهو الّذي يثبت شرطية ما لم يؤت به حال الجهل أو جزئيته مطلقا ـ بغير صورة الجهل مثلا ، وهو صورة العلم ، كما قد يدّعى ذلك في نجاسة النجاسات ، من أنّ الأشياء النجسة لا تتّصف بحكم النجاسة واقعا ما لم تعرف بعينها ، فمثل البول ليس نجسا واقعا ما لم يعلم بكونه بولا ، وهذا هو المعبّر عنه عندهم بالتصويب في الموضوع ، وكذا يخصّص دليل مانعية جلد الميتة مثلا بغير الصورة المذكورة ، فيرتفع المنافاة بينه وبين دليل
__________________
(١) في الأصل : الواقعية ...
(٢) الوسائل : ١٠٥٩ ـ ١٠٦١ ـ كتاب الطهارة ـ باب : ٤٠ من أبواب النجاسات.