أو بأحد الأخيرين (١)؟.
الظاهر أنّه إنّما هو بأحد الأوّلين ، لا الثالث وان كان يوهمه ظاهر قولهم : ( مقدمة الواجب واجبة ، أو ما لا يتمّ الواجب إلاّ به واجب ، أو لا؟ ) إلاّ أنّ التأمّل التامّ في كلامهم وأدلّتهم يقضي بأنّ مرادهم إنّما هو إثبات الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ، لا إثبات وجوب المقدّمة ابتداء.
هذا ، مضافا إلى أنّه لو كان الغرض ذلك فلا ريب أنّه لا سبيل إلى إثبات ذلك إلاّ للعقل لعدم ما يدلّ عليه من الكتاب والسنّة أو الإجماع ، فيتوقّف ثبوته على حكم العقل بالملازمة ، فحينئذ لو كان النزاع هنا مع قطع النّظر عن حكم العقل بالملازمة فهو كما ترى ، وإن كان معه فالبحث عنه يغني عن البحث في وجوب المقدّمة.
ولا الرابع ، ضرورة عدم اختصاص النزاع بالواجبات التي يكون الدال عليها الأوامر اللفظية وإن كان يوهمه ذكر بعضهم تلك المسألة في مباحث الأوامر كصاحب المعالم ، لكنه يدفعه أنّه ـ قدّس سرّه ـ لمّا لم يذكر في كتابه المبادئ الأحكامية ولا الأدلّة العقلية ، وكانت مباحث الأوامر أنسب حينئذ لأن تذكر فيها هذه ، حيث إنّ الغالب من الواجبات ما يثبت باللفظ ، فذكرها في طيّها لذلك كذكره مسألتي الأمر بالشيء واجتماع الأمر والنهي ، وأمّا غيره ممن تأخّر عنه من
__________________
(١) اعلم أنّ مرجع البحث في الأخيرين كليهما إلى وجه واحد ، وهو ثبوت الملازمة عقلا بين وجوب شيء ووجوب مقدّمته ، والنزاع فيهما إنّما هو في ذلك ، إلاّ أنّ كون المقام من المبادئ الأحكامية أو الأصولية العقلية يدور مدار الغرض من البحث ، فإن كان الغرض توضيح حال الحكم الوجوبيّ فيدخل في المبادئ الأحكامية لتمهيده حينئذ لمعرفة بعض أقسام الحكم ، فهو متمهّد لمعرفة الحكم في الجملة ، وإن كان الغرض التوصّل به إلى معرفة الحكم الفرعي ـ وهو وجوب المقدّمة ـ فيدخل في المسائل الأصوليّة لصدقها عليه ، لكونه ممهّدا لاستنباط الحكم الشرعي الفرعي. لمحرّره عفا الله عنه.