والجواز العقليّان بمعنى الحسن والقبح ، يعني أنّه لو كان الأمر مقتضيا عقلا لوجوب المقدّمة ـ بمعنى ثبوت الملازمة بينه وبين وجوب ذيها ـ لقبح التصريح بخلافه ، وليس مراده نفي الظهور اللفظي حتى يتّجه عليه ما أورده ـ قدّس سرّه ـ بل المراد نفي الملازمة عقلا ، فيتّجه الاستدلال ، وينقلب الإشكال فافهم.
وكيف كان فالمتأمّل المنصف يجد الاستدلال المذكور كالصريح ـ بل صريحا (١) ـ في كون المدّعى نفي الملازمة عقلا وأنّ النزاع فيها.
نعم على تقدير القول بعدم الملازمة (٢) يمكن عقد بحث آخر في دلالة الأمر لفظا على وجوب المقدّمة إذا كان المثبت لوجوب ذيها الأمر اللفظي ، وأمّا على تقدير ثبوت الملازمة فلا فائدة في البحث عن الدلالة اللفظية أصلا.
ثمّ إنّه قد ظهر مما حقّقنا اندفاع ما قد يتوهّم من كون المسألة فرعية ، نظرا إلى كون المطلوب والنتيجة فيها نفس الحكم الشرعي الفرعي ، وهو وجوب المقدمة لا العقلية ، حيث إنّه لا بدّ فيها أن يكون المطلوب عبارة عن الدليل العقلي ، وهو الحكم العقلي الّذي ينتقل منه إلى الحكم الشرعي ، فتخرج المسألة عن الأدلّة العقلية.
وتوضيح الاندفاع : أنّ المطلوب في المقام ـ كما عرفت ـ ليس وجوب
__________________
(١) في الأصل : ( بل الصريح .. ). ، وما أثبتناه هو الصحيح.
(٢) إذ حينئذ يمكن تحقّق الوجوب في الخارج على وجهين :
أحدهما ـ ما يراد معه وجوب المقدّمة أيضا.
وثانيهما ـ ما لا تعرّض معه لذلك ، فيكون الحال في المقام كما في المفاهيم ، حيث إنّه لا ريب أنّه لا ملازمة عقلا بين تعليق وجود شيء على وجود أمر وبين انتفاء الشيء الأوّل بانتفاء الثاني ، بل التعليق في الخارج يقع على وجهين : أحدهما ما يقصد به الانتفاء عند الانتفاء ، والآخر ما لا تعرّض له لذلك.
وكيف كان فالبحث اللفظي إنّما هو بعد الفراغ عن إمكان وقوع الشيء المبحوث عنه على كلا الوجهين في محلّ البحث ، وإلاّ فيلغى. لمحرّره عفا الله عنه.