المقدّمة وان كان يترتّب عليه ذلك ، بل إنّما هو مجرّد الملازمة عقلا بين وجوب شيء وبين وجوب مقدّمته.
وبعبارة أخرى : إنّ النزاع في أنّ العقل يستقلّ بالملازمة بينهما ، ويجزم بها ، أو لا؟ ولا ريب أن الحكم بالملازمة حكم عقلي ينتقل منه إلى الحكم الشرعي ، وهو وجوب المقدمة فبتعدّد الحكم فدخلت المسألة في الأدلّة العقلية. هذا لا إشكال فيه.
وإنّما الإشكال كلّه في أنّهم بعد ما عرّفوا الدليل العقلي بما أشرنا إليه ـ أي الحكم العقلي الّذي ينتقل منه إلى الحكم الشرعي ـ قسّموا حكم العقل إلى المستقلّ وغير المستقلّ ، وجعلوا مسألة الحسن والقبح من الأوّل ، والالتزامات من الثاني ، بل بعضهم لمّا رأى ذكر بعض الأصول العملية في الأدلّة العقلية ، ورأى أنّ مفادها ليس إلاّ الحكم الظاهري زاد (١) قسما ثالثا ، فقال : حكم العقل : إمّا ظاهري ، وإمّا واقعي ، والثاني : إمّا أن يستقلّ به العقل ، وإمّا أن يحتاج إلى أمر آخر كخطاب من الشارع.
بيان الإشكال : أنا لا نرى حكم العقل في هذه الموارد من جهة الاستقلال الا كحكمه في مسألة الحسن والقبح.
توضيحه : أن في الموارد والأمثلة المذكورة للعقل المستقل أمورا ثلاثة :
الصغرى : وهو قولك ـ مشيرا إلى الفعل الخاصّ ـ : هذا مقدّمة للواجب.
والكبرى : وهي قولك : كل (٢) مقدمة للواجب واجبة شرعا.
والنتيجة : وهي أنّ هذا الفعل واجب شرعا ، ولا ريب أنه لا مدخل للعقل أصلا في بعض تلك الأمور كالأوّل ، ضرورة أنّ كون شيء مقدّمة للواجب حسي ، فلا سبيل للعقل إلى إحراز صفة التوقّف والمقدّمية ، وأمّا وجوب ذي المقدّمة ـ الّذي
__________________
(١) في الأصل : ( فزاد ) ، والصحيح ما أثبتناه.
(٢) أي يلزم من وجوب كلّ واجب وجوب كلّ ما هو مقدّمة له. لمحرّره عفا الله عنه.