هذا توضيح الإشكال في مقدّمة الواجب ، ومثله الكلام في سائر الاستلزامات والمفاهيم أيضا بناء على أن لا يكون التلازم فيها لفظيا ـ أي لا يكون بيّنا بالمعنى الأخصّ ـ إذ عليه فحكم العقل بانتفاء الحكم المعلّق على شيء عند انتفاء ذلك الشيء حكم عقلي مستقلّ لا يحتاج إلى خطاب من الشارع ، فظهر بطلان تقسيم حكم العقل إلى غير المستقلّ.
ويتلوه في الضعف تقسيمه إلى الواقعي والظاهري.
وتوضيحه : أن في موارد الأصول العملية كالبراءة مثلا أيضا أمورا ثلاثة :
الصغرى : وهي أنّ هذا الشيء مشكوك الحكم.
والكبرى : وهي أنّ كلّ مشكوك الحكم يقبح العقاب عليه ، وأنه يلزم من كونه مشكوكا فيه كونه مباحا من قبل المكلّف ـ بالكسر ـ.
والنتيجة : وهي أن هذا الشيء يقبح العقاب عليه ، وأنه مباح من قبل المكلّف.
ولا ريب أنه لا مدخل للعقل في الأوّل أصلا ، فإنه إنما يحرز بالوجدان لا غير. وأما الثاني فلا ريب أنّ الحكم الّذي من قبل العقل هو الملازمة وقبح العقاب ، ولا ريب أنّ الملازمة أمر واقعي جدا ، وأن العقاب قبيح واقعا قطعا. وكيف كان فذلك حكم عقلي مستقلّ واقعي ، وأما كونه مباحا فليس من حكم العقل في شيء أصلا ، وإن كان مدركه العقل ، بل هو حكم شرعيّ ظاهريّ يكشف عنه العقل ، فما يكون ظاهريا ليس بعقليّ ، وما يكون عقليّا لم يكن ظاهريا ، كما أنّه لم يكن تبعيّا.
والحاصل : أنّ الّذي هو حكم العقل واقعي مستقلّ ، فإنّ إجراء البراءة في موارد جريانها إنّما هو لحكم العقل القطعي بقبح العقاب من دون تمام الحجّة ، بل تسميته حكما أيضا لا يخلو عن مسامحة إلاّ أن يعمّم الحكم إلى مطلق الإثبات والنفي ، وكذا في الاحتياط في موارد جريانه ، فإنّه أيضا لحكم العقل