الوجود في الغد كما لا يخفى.
وهذا لا يختصّ بالشروط الزمانية ، بل يجري في غيرها أيضا ، فإنّ بقاء الاستطاعة إلى آخر (١) اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة بناء على عدم اعتبار مئونة ما بعد الحجّ ، مع أنّ وجوب الحجّ حاصل قبل ذلك اليوم إذا كان التقدير تقدير بقائها إلى ذلك اليوم ، بل ولا يعقل أن يكون ابتداء الوجوب في ذلك اليوم بمضيّ الوقت وتمام العمل.
وبالجملة : إذا علم بحصول الشرط فالوجوب متحقّق ، وإن علم بعدمه فلا وجوب أصلا ، لقبح إيجاب شيء على من يعلم الآمر بعدم تمكّنه منه ، فجميع التكاليف في الواقع مطلوبات منجزات ، لأنّ من تعلّق به الخطابات المشروطة هو ممن كان واجدا للشرط دون غيره ، إذ موضوع الحكم في الحجّ هو الشخص المستطيع ، وهو بالنسبة إليه مطلق ، فلو علّق الوجوب بالنسبة إليه على الاستطاعة لكان لغوا كما لا يخفى.
وأمّا الشخص الغير المستطيع فلا توجّه للخطاب إليه أصلا ، وهذا التعليق الّذي وقع في الخطابات الشرعية إنّما (٢) هو لتوجّهها إلى عامّة المكلّفين من الواجد والفاقد ، وإلاّ لم يحتج إلى التقييد بوجه.
فإذا عرفت ذلك فنحن لا نقول بجواز تأخير الشرط عن المشروط ، ولا بجواز تقدّمه عليه ، ولا بعدم فاعلية الشرط في تأثير السبب ، ولا بغير ذلك من لوازم الشرط ، إذ لا يعقل القول بشيء من ذلك ، وبان بذلك قوام معنى الشرطية ، بل نقول : إنّ الوجود المتأخّر شرط ، لا الشرط متأخّر ، وكذلك في الماضي ، فإنّ الشرط فيه أيضا هو الأمر المنقضي ، لا أنّ الشرط قد انقضى.
__________________
(١) الظاهر أنّ الجارّ والمجرور خبر ( إنّ ) المتقدّمة ، وإلاّ فالعبارة ينقصها الخبر.
(٢) في الأصل : فإنما ..