ملاحظة أمر آخر فلا حاجة إذن إلى أزيد من قصد نفس ذلك العنوان ، كما هو الشأن في الواجبات النفسيّة ، وقد يكون من المفاهيم الغير المستقلّة الحاصلة في غيرها كالمعاني الحرفية ، فيتوقّف قصد ذلك العنوان على قصد ذلك الغير أيضا ، فإنّ التبعيّة ـ والتطفّل ـ مأخوذة في ذلك العنوان حينئذ ، ومن المعلوم أنّه لا يمكن قصد التابع بما هو تابع إلاّ بقصد متبوعه ، فيجب حينئذ ـ زائدا على قصد الإتيان بذات ذلك العنوان ـ القصد إلى ذلك الغير الّذي أخذت التبعية بالنسبة إليه.
وبعبارة أخرى : إنّه إذا كان ذلك من الأمور التبعية فالتبعية مأخوذة في حقيقته وواقعه ، فيجب قصد الغير الّذي لوحظت التبعية بالنسبة إليه ، وإلاّ لم يكن قاصدا لذلك العنوان ، إذ المفروض اعتبار التبعية في حقيقته ، وقد مرّ وجوب القصد إلى عنوان المأمور به في مقام الامتثال.
فإذا علم ذلك فنقول : إنّه لا ريب أنّ الواجبات الغيرية بأسرها إنّما يكون العنوان للأمر الغيري فيها هو عنوان المقدّمية والتوصّل بها إلى الغير ، فتكون هي بأسرها من الأمور التبعية بالنسبة إلى الواجبات النفسيّة التي هي مقدّمات لها ، فيتوقف الإتيان بها على وجه الطاعة على قصد تلك الواجبات النفسيّة أيضا بالتقريب المتقدّم (١).
__________________
(١) اعلم أنّ الإتيان بالمقدّمة وإيجادها : تارة يكون على وجه أخذ المقدّمة عنوانا مستقلا ومعنى اسميّا ، وهو بأن يكون الغرض ذات المقدّمة ، ويكون المحرّك لإيجادها هي ـ لا عنوان المقدّمة ، وإن كانت هي صفة لازمة لها لا تنفكّ عنها ـ وحاصل ذلك : أنه يأتي بما يعلم أنّ من خواصّه التوصّل إلى واجب آخر ، لا أنه يأتي به لأجل التوصّل به إليه.
وأخرى يكون على وجه أخذها بعنوان الآلية والتبعية التي هي من قبيل المعنى الحرفي ، وهذا إنّما يكون بأن يأتي بالشيء لأجل التوصّل إلى الغير ، بأن يكون الداعي إلى إيجاده ذلك لا غير ، وهذا هو معنى كون الداعي هو عنوان المقدّمة الّذي قلنا بلزومه في مقام الامتثال. لمحرّره عفا الله عنه.