وقد نسب الاستدلال إلى العلاّمة ـ قدّس سرّه ـ في النهاية (١) لكن المحكيّ من كلامه عن المنتهى مخالف لذلك فإنّه ـ (قدّس سرّه) على ما حكي عنه في المنتهى (٢) ـ استدلّ (٣) بها على اشتراط العبادة بنيّة القربة قبالا لأبي حنيفة ـ خذله الله تعالى ـ القائل بعدم اشتراط الوضوء بها ، وليس في مقام إثبات أصل كلي يعوّل عليه عند الشكّ.
وكيف كان ، فيمكن الاستدلال بها من وجهين ـ على إثبات أصالة التعبّدية في أوامر أهل الكتاب ، ثم إثبات هذا الحكم في شريعتنا : إمّا بالاستصحاب بناء على اعتباره في الأحكام الثابتة في الشرائع السابقة ، وإمّا بمقتضى قوله تعالى في آخر الآية : ( وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )(٤) ، فإنّ المشار إليه بقوله : ( وَذلِكَ ) هو ما استفيد من صدر الآية من الحكم ، ومعنى ( القيِّمة ) ـ كما فسَّرها المفسرون ـ ( المستقرّة ) التي لا تنسخ وهي صفة لمحذوف ، أي وذلك دين الملّة القيّمة ـ :
الوجه الأوّل : بالنظر إلى قوله تعالى : ( لِيَعْبُدُوا ) ، وتقريب الاستدلال على ذلك :
أنّ العبادة هي الإتيان بالفعل على وجه الإخلاص المرادف للامتثال ، واللام في ( ليعبدوا ) للغاية ، كما يظهر عن بعض في مقام الاستدلال بالآية على خلاف الأشعري القائل بالجزاف في أفعال الله ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ فيكون المعنى : أنّه ما أمر أهل الكتاب بشيء لغاية وغرض من الأغراض إلاّ
__________________
(١) نهاية الوصول ( مخطوط ) : ٧٦ ، والموجود فيها مطابق لما في المنتهى.
(٢) منتهى المطلب : ١ ـ ٥٤.
(٣) في الأصل : انّه استدلّ ..
(٤) البيّنة : ٥.