المقدّمة حتى يتعدّد الثواب والعقاب.
فإن قلت : ما الفرق بين الواجبات الغيرية وبين بعض الواجبات النفسيّة ، كتعليم العالم الجاهل بأحكام دينه؟ ضرورة أنّ وجوب التعليم أيضا منبعث عن وجوب إتيان الجاهل بما وجب عليه من الواجبات ، بحيث لولاه لما كان ذلك أصلا ، بمعنى أنه وجب مقدّمة لامتثال الجاهل لما وجب عليه ، ولذا لو علم العالم بعدم قبول الجاهل لقوله لما وجب عليه التعليم ، فلا بدّ إذن إمّا من إبداء الفرق بينهما ، أو من التزام نفي استحقاق الثواب والعقاب عن ذلك القسم من النفسيّ ، أو التزام استحقاقهما على الواجبات الغيرية أيضا لا سبيل إلى أوّل شقّي الشقّ الثاني ، فيدور الأمر بين الشقّ الأوّل وبين الشقّ الثّاني من الثاني ، ونحن لا نرى فرقا بينهما بوجه ، فإذا انتفى الفرق تعيّن الشقّ الآخر.
قلنا : إنّا نختار الشقّ الأوّل ، وهو إبداء الفرق.
وبيانه : أنّ ذلك القسم من الواجب النفسيّ وإن كان شريكا مع الغيري في بعض الآثار (١) إلاّ أنّ بينهما فرقا من وجهين :
أحدهما : أنّ المكلّف الموجّه إليه الوجوب في المقام واحد ، فإنّ المكلّف بإتيان الواجب الغيري هو المكلّف بإتيان ذلك الفرد الّذي وجوبه نفسي ، بخلاف ذلك المقام ، حيث إنّ المكلّف بالتعليم غير المكلّف بذلك الواجب النفسيّ ، الّذي وجوب هذا لأجله ، ضرورة أنّ المكلّف بالأوّل هو العالم ، وبالثاني هو الجاهل ، فلا يعقل أن يكون تعليم العالم مما يدخل في إطاعة الجاهل لما وجب عليه وإن كان مقدّمة له ، فلأجل ذلك يتحقّق هناك إطاعتان ومعصيتان ، بخلاف المقام.
__________________
(١) فإنّ هذا القسم كما أنّه لا يجب إلاّ لوجوب العمل على الجاهل ، كذلك الواجب الغيري لا يجب إلاّ لوجوب ذلك الغير بحيث لو ارتفع الوجوب عنه لارتفع عنه أيضا. [ لمحرّره عفا الله عنه ].