شرعا ولا عقلا.
ثمّ إنّه قال دام ظلّه : نعم إذا أتى بالمقدّمات على الوجه المذكور فلا يبعد كون الإتيان بها على هذا الوجه موجبا لزيادة ثواب على الثواب المترتّب على ذيها ، نظرا إلى أنّ فعل ذيها على هذا الوجه أشقّ من فعله مع الإتيان بمقدّماته بتشهّي النّفس.
وبعبارة أخرى : من أطاع واجبا مع إتيانه بمقدّماته أيضا بداعي إطاعة ذلك الواجب فإطاعته له أشقّ من إطاعة من أطاعه مع عدم قصده في الإتيان بمقدّماته إلى إطاعته ، بل أتى بها بشهوة نفسه ، ثمّ بدا له أن يأتي بنفس الواجب ، فأتى به قاصدا للطاعة فيه وحده ، ضرورة أنّ الإتيان بشيء غير مشتهى للنفس مشقّة على النّفس.
ولعلّ هذا أقرب المحامل لقوله تعالى ـ في أواخر سورة البراءة (١) ـ : ( ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ ، وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ ، وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ ، إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )(٢) فإنّ ظاهره ثبوت الثواب على نفس تلك المشاقّ ـ وهي الظمأ والنصب والمخمصة وغيرها ـ وهو ينافي ما عرفت من عدم الثواب على نفس المقدّمات ، فأقرب محامله أن يكون المراد ـ والله أعلم ـ أنّه إذا أصابهم في الجهاد في سبيل الله تلك المشاقّ يكون ثوابهم على الجهاد أكثر ممّا لو جاهدوا بدون إصابتها إيّاهم ، بحيث لو وزّع ذلك الثواب على تلك المشاقّ لكان لكلّ واحدة عمل صالح ، كما أنّ أقرب المحامل
__________________
(١) « في الجهاد » على ما جاء في هامش الأصل.
(٢) سورة البراءة : ١٢٠.